استراتيجيات لاحتواء إيبولا
كانت إحدى الملامح المهمة لقضية المصاب بوباء «إيبولا»، الذي دخل الولايات المتحدة عبر تكساس، والتي أزعجني على نحو خاص كطبيب، الطريقة التي وُضعت لرصد المرض في المنافذ الحدودية بالمطارات والتي ما كانت لتكشفه حتى في أفضل الحالات وأكثرها تفاؤلاً، فالمصاب، «توماس دونكان»، يتذكر كيف أُخضع لمسح قبل انطلاق رحلته إلى الولايات المتحدة ولم تُرصد لديه حرارة مرتفعة، وحتى عندما سئل لاحقاً عن احتكاكه بمصابين، نفى ذلك كلياً، بل عندما توجه للمستشفى في 25 سبتمبر الماضي لارتفاع حرارته مُنح الدواء ثم غادر إلى بيته، ليعود بعد ثلاثة أيام وهو في حالة سيئة بعدما تفشت العدوى في جسمه. لكن المشكلة أنه حتى لو كان المرض قد اكتشف مبكراً لدى دونكان وعُزل أثناء زيارته الأولى للمستشفى سيكون الأوان قد فات، إذ لا شك أنه في تلك المرحلة كان ينفث الفيروس ويصيب به آخرون، ولعل إصابة إحدى الممرضات التي كانت تعالجه بالعدوى، فيما يبدو أنه خرق لمعايير السلامة وعدم الالتزام الدقيق بها، تزيد من المخاوف المحيطة بالطريقة الأمثل للتعامل مع المرض.
ويبدو أنه في أعقاب إصابة «دونكان»، برزت ثلاث استراتيجيات لاحتواء «إيبولا» ووقف انتشاره في الولايات المتحدة، تذهب الأولى إلى وضع قيود صارمة على إجراءات السفر من البلدان المنكوبة بالوباء، فيما تشمل الثانية إخضاع المسافرين القادمين من تلك البلدان لعمليات فحص دقيقة بميزان الحرارة، وهو ما بدأت السلطات الأميركية في تطبيقه بالمطارات، أما الاستراتيجية الثالثة فتقترح عزل المرضى الذين ظهرت عليهم أعراض محتملة، ثم تطويق، أو إخضاع كل من تعامل معهم للحجر الصحي. هذه الاستراتيجيات على أهميتها تنطوي على أوجه قصور عديدة، وفي ظل غياب علاج فيروسي للمرض ربما يجب علينا إعادة التفكير في مفهوم الحجر الصحي نفسه، فبرغم أن الممارسة قديمة وتعود إلى القرون الوسطى، وبرغم ما أدخل عليها من إصلاحات لتحسين كفاءتها، إلا أنه وكما تشير حالة تكساس ليست هذه بالطريقة الأنجع، هذا فيما سيؤدي حظر عشوائي للسفر إلى منع وصول الكوادر الطبية إلى المناطق المتضررة، ما سيعمق الأزمة الإنسانية والصحية، وحتى عمليات الفحص الطبي التي يخضع لها المسافرون في المطارات لكشف أعراض الحمى قد تفشل في حالة ما إذا كانت هذه الأخيرة منخفضة، أو عولجت بدواء مهدئ خفضها مؤقتاً، ولأن العزل الصحي لن يتم إلا بعد وضوح الأعراض، فذلك يعني أنه إجراء متأخر سيأتي بعد انتقال العدوى إلى أشخاص آخرين.
بيد أن هناك استراتيجية أخرى قد تساهم في احتواء المرض، فقد ظهرت منذ تسعينيات القرن الماضي أساليب جديدة تسمح للأطباء برصد الفيروسات وكشفها في مرحلة ما قبل ظهور الأعراض، وذلك على نحو كبير من الدقة، ومن بين التقنيات المستخدمة في هذا الإطار ما يعرف بأنزيم «بوليميريس» الذي يعتمد على إثارة ردة فعل كيماوية تعمل على تكبير مورثات الفيروس الطافية في الدم فتُرصد بسهولة، وهو ما يعني أن القدرة على تشخيص المرض لدى الشخص حتى قبل ظهور الأعراض أضحى أمراً ممكناً وميسراً من الناحية الطبية.
سيدهارتا موخرجي
كاتب وطبيب هندي أميركي متخصص في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»