عندما تعمل في قطاع الصحة العمومية، لا بد أن تشعر بأنك أصبحت ملازماً للخوف. وها هو مؤشر الخوف يرتفع في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى. وسبب ذلك أن كل معداتنا الطبية ذات التكنولوجيا العالية، وكل أجهزة وأدوات الحماية ضد العدوى الفيروسية، وكل الطاقم الطبي والإداري عالي التدريب لمكافحة الأمراض الوبائية، فشلت جميعاً في حماية ممرضتين من مدينة دالاس من الإصابة بمرض «إيبولا». وعندما عمد المسؤولون الحكوميون لإعلامنا بأننا آمنون في الوقت الذي وقع فيه مانحو الأمان أنفسهم في المرض، فما تأثير ذلك على ثقتنا بما يقولون؟. يبدو أن ارتداء اللباس والأدوات اللازمة للوقاية هو التصرف السليم والكافي، ولكنه ليس كذلك بالفعل. وعندما تخلع هذه الألبسة والأدوات، فإنك تعرّض نفسك للإصابة، كما أن تجنّب الإصابة يتطلب التدريب والإشراف الطبي. ولقد ارتكبت المراكز المتخصصة بالتصدي للأمراض الوبائية والوقاية منها خطأ تكتيكياً عندما أعلنت عن أن أي مستشفى في الولايات المتحدة يمكنه أن يتعامل مع مرضى «إيبولا» إذا اتبعوا التعليمات المناسبة. وبالطبع، فإن في وسع أي مستشفى يتوافر على الكوادر الطبية الكافية والخبرة اللازمة للتعامل مع الأمراض الوبائية أن يفعل ذلك، إلا أن الولايات المتحدة كلها لا تتضمن إلا أربعة مستشفيات تنطبق عليها هذه المعايير. وهي التي تضم وحدات متخصصة تم تأسيسها لهذا النوع من الحالات الاستعجالية الطارئة. وعلى أن عملية تحويل المريض من المستشفى العادي إلى القسم المتخصص بمعالجة الإيبولا ينطوي على خوف كبير، والخوف هو واحد من أهم الأعراض الجانبية الشائعة لـ«إيبولا». وخلال هذا الأسبوع، كان من المقرر أن ألقي محاضرة في «جامعة كيس وستيرن ريسيرف» في كليفلاند حول الأمراض الوبائية والصحة العمومية وتقييم طريقة تعاملنا مع جائحة أنفلونزا الخنازير الخطيرة لعام 2009، وحيث سجل الخوف انتصاراً في سباقه مع المرض ذاته. وكان السلاح الماضي الذي استخدمناه آنذاك لدحر المرض هو الشفافية وذكر الحقيقة كاملة والاتصال. وقمت أنا شخصياً بمساعدة الأميركيين على فهم الخطر الذي يواجههم وكيف يتجنبونه في الوقت نفسه الذي كنت أحذر فيه من خطورة انتشار الوباء. ولكن ما حدث هو أن «جامعة كيس» عمدت إلى إلغاء محاضرتي، لأنني عدت لتوي من رحلة عمل دامت 10 أيام إلى الدول الأفريقية التي انتشر فيها «إيبولا». وهذا يعني أن المخاطرة بوجودي في الجامعة على الرغم من أنها تبدو ضئيلة جداً، إلا أن خوف الإدارة هو الذي ربح الجولة. وكتبت لي «شارونا هوفمان» أستاذة القانون والأخلاقيات الحيوية التي وجهت إليه الدعوة للقيام بهذه الزيارة، تقول: «لسوء الحظ، قررت إدارة الجامعة إلغاء زيارتك لها في 15 أكتوبر. وعلى الرغم من أنهم يتفهمون مدى ضآلة المخاطر التي ينطوي عليها حضورك، إلا أنهم شعروا أن من واجبهم الانحياز إلى جانب أقصى درجات الحيطة والحذر». وجوابي عن كل هذا يتلخص بكلمة واحدة: الخوف ليس هو العلاج المناسب لـ«إيبولا» على الإطلاق. ريتشارد بيسير محلل متخصص بشؤون الصحة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»