حروب انستجرامية
يبدو أن موقع انستجرام اليوم في دول الخليج، هو الموقع الأهم ضمن وسائل التواصل الاجتماعي التي تزهر بها الحضارات الافتراضية. فالصورة أبلغ من الكلام، ويكاد يكون الحساب سيرة ذاتية مختصرة، ومصورة لكل فعاليات الأشخاص اليومية.
ومضمون الموقع لدى البعض بمثابة صورة مشوهة تدَّعي أكثر مما تعكس في واقع الأمر، وكأن المسألة حالة تمثيلية معززة بالدليل أوالصورة. ويستطيع المرء التعرف على شخصية صاحب الحساب، لأن التمثيل والادعاء عمره الافتراضي أقصر مما قد يتصوره صاحبه، فالاستكشاف لا يتجاوز العشر صور ثم يتحول إلى محاولة بائسة، والتصدع في تفاصيل الصورة المزورة ليس تعدياً على أحد، لكنها قراءة متأملة لما يحدث من كافة الزوايا. ويكاد تقرأ التعليقات وكأنها حروب مستترة، وتلميحات لآخرين مستهدفين بالكلام وتحديد المواقف، وأزعم رغم أهميته للبعض، فإنه يتم استغلاله في تجارة المنازل، وساعد كثيراً في انتشارها مما زاد من استهلاك الناس لمبدأ الاستعراض والادعاء بما لا يملكون لدرجة أنه تحول إلى مباريات ساخنة بين من يزور مطاعم أكثر، ومن يرتاد الأسواق أكثر.
مما زاد من كم الضغينة المتبادلة على الشبكة العنكبوتية، وأفرز حالة من الغضب المكبوت، الذي نحن في غنى عنه، أدى إلى كشف مستويات أخلاقية ولفظية لبعض شعوب دول الخليج، التي تتمسك بالقيم، وبالثوابت الدينية.
وقد يكون الإماراتي هو أقل المشاركين تعليقاً أو تجريحاً لغيره، فالتهذيب لغة حال المفترضين المنتمين لهذه البقعة الجغرافية ويكادون لا يتجاوزون خطوطها الحمراء، خاصة إذا كان صاحب الحساب لا يعنيهم، أو لا يعرض صوراً تسيئ لهم في شيء.
والحقيقة أن انستجرام أبرز ظاهرة السرقة من حسابات غربية، لنجد بوناً شاسعاً في إخراج الصورة، وهناك تم اختطاف فكرة من دون وجه حق. ولأن الفضاء الافتراضي سلاح ذو حدين، فإن السلاح هنا خطر، ويعمل بجهد مبني على زراعة حروب كلامية سرية بين أشخاص كانت بينهم خلافات خاصة تحولت الآن إلى عامة بعد أن عرضت على موقع كانستجرام.
يحتاج هذا الموقع إلى دراسة أكاديمية تعمل على استكشاف مدلولاته وما يعكسه وما يخفيه، فهو قراءة سهلة لما يدور في عقول من يستخدمه حتى وإن حاول الهروب بصور أطعمة وورود وأذكار دينية.
فكلها تعكس مكنونات الروح، وتعكس أخلاقيات الشعوب، وتعكس إلى أي مدى نحن متعلقون بحبال الشبكة العنكبوتية وأنها أصبحت جزءاً أصيلاً من جدولنا اليومي، إنْ لم تكن قد استولت على كل الأجزاء.
السلاح ذو الحدين لا يزال يلوح، ولكن لا أحد يهتم بأي أحد، فالفضاء الاليكتروني طاغ ومسيطر على عقول كادت أن تُستعبد له، حتى وإن عزمت على عكس ذلك.