نيوسي: لعبة النفوذ والانتقال في موزمبيق
بعد لغط استمر قرابة أسبوعين حول نتائج الشوط الثاني من الرئاسة في موزمبيق، أعلنت اللجنة الوطنية الموزمبيقية للانتخابات، يوم الجمعة الفائت، فوز مرشح الحزب الحاكم، «فيليب نيوسي»، بمنصب الرئاسة، ليصبح رابع رئيس لهذا البلد الواقع في جنوب شرق أفريقيا، منذ استقلاله عام 1975 عن البرتغال التي استعمرته نحو أربع مئة عام.
و«فيليب نيوسي» سياسي موزمبيقي، ووزير للدفاع في الحكومة الحالية، وهو قيادي في الحزب الحاكم (فريليمو) ومرشحه في انتخابات الرئاسة لعام 2014. وقد ولد «فيليب جاسينتو نيوسي» عام 1959 في «نامو» بمقاطعة «كابو ديلجادو» في الشمال الشرقي لموزمبيق، لعائلة من أغلبية «البانتو». وكان والداه من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال الموزمبيقية، وقد حرصا على تدريسه فقاما بنقله عبر نهر روفوما إلى تنزانيا، ليتلقى تعليمه الابتدائي في قرية توندورو المجاورة، ثم عاد منها ليكمل تعليمه الثانوي في «بمبا» عاصمة المقاطعة.
بيد أن نيوسي عاد إلى تنزانيا في عام 1973، وكان في الرابعة عشر من عمره، لكن هذه المرة ليس بغرض الدراسة وإنما لتلقى التدريب السياسي والعسكري هناك. لذلك فهو لم يستطع إكمال درجة البكالوريوس إلا في عام 1990، حيث تحصّل عليها في الهندسة الميكانيكية من جامعة برنو للتكنولوجيا في تشيكوسلوفاكيا. ثم نال دبلوم الدراسات العليا في الإدارة من جامعة فيكتوريا في مانشستر بإنجلترا.
وبعد عودته إلى موزمبيق عام 1993 عمل نيوسي في شركة الموانئ المملوكة للحكومة، ثم في سلطة السكك الحديدية (CFM)، والتي أصبح مديراً لقسمها الشمالي عام 1995، ثم انضم إلى مجلس إدارتها عام 2007.
وخلال الفترة بين عامي 1993 و2002 تلقى نيوسي العديد من الدورات التدريبية في مجال الإدارة في كل من الهند وجنوب أفريقيا وسوازيلاند والولايات المتحدة. كما ترأس نادي «فيروفياريو» لكرة القدم، علاوة على عمله كمحاضر في جامعة نامبولا الحكومية.
وبالتوازي مع مساره المهني، كانت لنيوسي مسيرته الحزبية والسياسية التي التي بدأها مبكراً، وكان في الثانية عشر من عمره، بالانضمام لحزب «جبهة تحرير موزمبيق» (فريليمو) الذي قاد حرب التحرير ضد الاستعمار البرتغالي، ثم أصبح حزباً حاكماً وحيداً بعد الاستقلال عام 1975. وقد ظل نيوسي يتدرج في مواقع الحزب إلى أن انتخب لعضوية لجنته المركزية خلال مؤتمره العاشر في سبتمبر 2012.
لكن قبل ذلك كان قد تم تعيينه وزيراً للدفاع في عام 2008، خلفاً لتوبياس جواكيم داي الذي أُقيل إثر حريق شب بمستودع للأسلحة في منطقة «مالهازان» بالعاصمة مابوتو، وأسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص وتدمير 14000 منزل.
وفي مطلع مارس الماضي أعلنت اللجنة المركزية لـ«فريليمو» اسم نيوسي بوصفه مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة لعام 2014. وفي الشوط الأول من الانتخابات احتل المقدمة بنسبة 46 في المئة، ثم فاز بنسبة 68 في المئة في الشوط الثاني، مقابل 31 في المئة لمرشح المعارضة «لويس دياجو».
لكن المعارضة احتجت على فوز نيوسي واعتبرته تزويراً لإرادة الناخبين وطالبت بإعادة إجراء الاقتراع. لكنها عادت لتطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية مع نيوسي، ما يمثل اعترافاً ضمنياً بفوزه كرئيس للبلاد، لاسيما أن بعثتي المراقبة الأفريقية والأوروبية أقرتا النتائج المعلنة وتحدثتا عن مستوى «مقبول» من الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية.
وعدا عن مسألتي الاعتراف والشرعية، تبقى أمام نيوسي مسائل ومعضلات أخرى؛ منها كونه يعدّ صنعيةً للرئيس المنتهية ولايته «آرماندو جوبيزا»، والذي يمنعه الدستور من الترشح لفترة رئاسية ثالثة، لذلك أراد الدفع بدلا منه إلى المنصب بشخص ليس معروفاً على نطاق واسع ويمكنه الاحتفاظ بقدر من النفوذ عليه.
كما سيتعين على نيوسي التعاطي مع جملة من المشكلات التنموية والهيكلية لموزمبيق التي حاولت الانتقال من الاشتراكية إلى الرأسمالية، بالتوازي مع التغيير غير المعلن الذي أدخله حزب «فريليمو» الحاكم على عقيدته السياسية الماركسية السابقة.
فهل يكتمل الانتقال الذي بدأته موزمبيق مع رئيسها الثاني، «جاكويم تشيانو» (1982- 2005)، على يدي فيليب نيوسي؟
محمد ولد المنى