واشنطن وتل آبيب: توتر أم قطيعة؟!
تعتمد العلاقات الإسرائيلية الأميركية على مصالح متبادلة. والشرق الأوسط يمثل للولايات المتحدة الأميركية منطقة استراتيجية مهمة تؤثر على الأمن القومي الأميركي، كذلك فإن إسرائيل -طبقاً لنظرية الأمن الإسرائيلي- ترى في الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الذي تعتمد عليه في صراعها مع العرب وغيرهم. ولطالما كان الرؤساء الأميركيون يتعاملون مع إسرائيل، على أساس أنها مصلحة أميركية ومن ثم كان حرصهم الدائم على أمن إسرائيل. وبهذا المعنى، لم تعد إسرائيل مجرد أداة للحفاظ على المصالح الأميركية، بل أصبحت قوة غربية تمثل امتداداً للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، وتشكل إسرائيل نفسها جزءاً منها. وعليه، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل –من منظورهما- هي في الأساس علاقة التزام أمني وحضاري وسياسي.
اليوم، سواء نفت واشنطن وتل آبيب تدهور العلاقة بينهما أم لا، فقد بات من المؤكد أن المياه الآسنة بدأت تكثر وفاحت روائحها. فالسياسة الإسرائيلية تثير ردود فعل أميركية غاضبة، تصب بين الفينة والأخرى جام غضبها على رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، وتحمله المسؤولية الكاملة، وتتهم حكومته بأنها تستخف بالبيت الأبيض، وتمارس الألاعيب بينه وبين الكونجرس، وتصف نتنياهو وطاقمه الأمني بأنهم «متهورون وغير جديرين بالثقة». وطبعاً، لا «يقصّر» المسؤولون الإسرائيليون في التهجم المستمر على الرئيس الأميركي ووزير خارجيته تحديداً.
ويبدو أن الشرخ بين واشنطن وتل آبيب أعمق بكثير مما تصوره البعض، فبعد تحذير وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) من تحول إسرائيل إلى دولة آبارتايد، ها هو أعنف هجوم يشنه مسؤولون أميركيون على نتنياهو، حيث اتهموه بأنه «جبان وبائس ومخادع ومنشغل بالحفاظ على سلطته»، وتوقعوا أن ترفع الولايات المتحدة العام المقبل غطاء الحماية الممنوح لإسرائيل. فقد نشرت مجلة «أتلانتيك» مقابلات مع مسؤولين في الإدارة الأميركية، حيث وصف أحدهم نتنياهو بأنه «جبان» (Chickenshit)، وأن «الأمر الوحيد الذي يعنيه هو البقاء سياسياً». وأضاف: «الشيء الإيجابي في نتنياهو أنه جبان فيما يتعلق بشن حروب، والشيء السيئ أنه لا يقوم بشيء من أجل التوصل لتسوية مع الفلسطينيين أو مع الدول العربية»، مضيفاً: «هو ليس رابين ولا شارون، وبالتأكيد ليس بيغين، ببساطة ليس لديه شجاعة». وقال معد التقرير الصحافي «جفري غولدبيرغ»، إنه التقى مسؤولاً آخر في الإدارة الأميركية، واتفق مع قول زميله بأن نتنياهو جبان بل وصفه أيضاً بأنه «متغطرس، منغلق ويعاني متلازمة أسبرجر (الاضطراب)». وأكد المسؤول أن «البيت الأبيض لم يعد يصدق تهديدات نتنياهو بشن هجوم على إيران. والشعور السائد في أوساط الإدارة الأميركية أن نتنياهو مخادع في كل ما يتعلق بالهجوم على إيران».
وبحسب تقدير أحد المسؤولين، فإنه في ظل مشروع القرار الذي يقدمه الفلسطينيون حالياً إلى الأمم المتحدة، «سيرفع أوباما غطاء الحماية الممنوح لإسرائيل في المنظمات الدولية». وفي تقديره أيضاً أنه «إذا استخدمت الإدارة الأميركية حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الفلسطيني، فإنها ستعمل على بلورة مشروع قرار بديل ضد الاستيطان وتطرحه للتصويت، وفي هذه الحالة تصبح إسرائيل معزولة بشكل تام في العالم».
وفي مقال بعنوان «نكران الجميل!»، كتب «بن كاسبيت» يقول: «ليس لإسرائيل أميركا أخرى، وهذه هي آخر واحدة لنا. عندما ينفذ أبومازن تهديده ويتوجه إلى مجلس الأمن بمشروعه الجديد، مَن يفترض به أن يستخدم حق النقض (الفيتو)؟ جلعاد أردان، بصفته سفير إسرائيل في الأمم المتحدة؟ لا! هذا هو دور الأميركيين الذي نتنكر لجميله. أن ينظفوا بعدنا، في كل مكان على وجه البسيطة.. وعندما يطرح مطلب آخر في محفل دولي كهذا أو ذاك بالكشف عن النووي الإسرائيلي، مَن سيشطبه عن جدول الأعمال؟ إن التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي على بقية الجيوش في المنطقة، يعود إلى الحلف مع أميركا. تمويل القبة الحديدية، الطائرات، القنابل الذكية، القنابل التي تخترق الخنادق، كل البنية التحتية للعتاد والسلاح لدى الجيش الإسرائيلي. لدينا فقط أميركا واحدة، وهي أيضاً آخذة في النفاد». ويضيف: «نحن نتعامل مع أميركا وكأنها أرنبتنا؛ نركلها على الرأس في كل مناسبة. والذي أباح الدم الأميركي هو نتنياهو».
صحيح أنه لا ينبغي التعويل على القطيعة بين واشنطن وتل أبيب، لاسيما أن المصالح المشتركة لا يمكن التفريط فيها من الجانبين، لكن المطلوب من العرب، وبالذات من الفلسطينيين، استخدام ما في جعبتهم من أسلحة في معركة قادمة حتى تزيد التوتر القائم، وتوسع الشرخ بين واشنطن وتل آبيب. فهل يفعلها العرب؟