لم يشأ الإرهابي السفيه "أبو مصعب الزرقاوي" أن ينتهي تمرده في مدينة الفلوجة العراقية سلمياً، بل أرادها سفكاً لأنهار من الدماء البريئة... فكان له ما أراد!
كان هذا المجرم العتيد يعلم يقيناً أن فرض المواجهة المسلحة على أهالي المدينة، سيخلف كارثة إنسانية ودماراً لا مثيل لها وإزهاقاً للآلاف من الأرواح البريئة، ولكنه أصر على اختيار طريق الشر. وكان يعلم أن المعركة ليست معركته، وأن هؤلاء المساكين الذين ضحك على عقولهم، ومارس أبشع أنواع غسيل الدماغ بحقهم، لن يستطيعوا مواجهة الدبابة والطائرة والمدافع والمناظير الليلية التي تكشف تحركات النملة في ظلمة الليل. ولكنه مع ذلك أصر على أن يرمي بالأبرياء إلى التهلكة.
فرض هذا "الزرقاوي"، هو والمجرمون الذين أسسوا ما يسمى بـ"قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، على أهالي المدينة رعباً لم يشاهدوا مثيلا له حتى في أيام سيء الذكر السفاح صدام حسين، فكان يقطع لسان من يجرؤ منهم على الكلام أمام شاشات الفضائيات، ويخطف وينحر من يجرؤ منهم على العمل في أي جهاز حكومي لتوفير لقمة العيش لأبنائه الجائعين، وكان يرسل السيارات المفخخة ويفجرها في أبنائهم أمام مراكز الشرطة والحرس الوطني، لأنه حكم عليهم بالقتل إذا هم خرجوا عن طوعه.
لم يتوان هذا "الزرقاوي" المخبول عن تحويل بيوت الفلوجة إلى أوكار لنشر فكره الفاسد، وإلى مسالخ لقتل الأبرياء والمخطوفين، وإلى ملاجئ لبث الدعايات المسمومة والإعلانات عبر الإنترنت لتهديد العراقيين وترويعهم. ونسي أن لبيوت الله حرمة وجلالاً واحتراماً، فحوّلها إلى مخازن للأسلحة، وإلى ورش لتفخيخ السيارات بغرض قتل الأبرياء من المدنيين، وأجبر المرتزقة الذين جلبهم من أصقاع الأرض إلى العراق، ووزع عليهم السلاح للتمركز والتمترس وراء أبواب وجدران المساجد وبيوت الله وبيوت المواطنين الآمنين.
أصرّ المعتوه "أبو مصعب الزرقاوي" ورفاقه القادمون من كهوف "تورا بورا" وجبال بلاد الأفغان، على تحويل العراق إلى "أرض الطالبان"، متناسياً أن العراق ليس أفغانستان، وأن "إمبراطورية طالبان" التي يحلم بها هو ورفاقه لا توجد إلا في خيالهم المجنون، وأن دولة البطش وسفك الدماء وذبح الناس وإثارة النعرات العنصرية هي مشاريع خبيثة ومحاولات قبيحة لتشويه الدين الإسلامي الحنيف.
اليوم تكشفت الحقائق، ووقعت القوات الأميركية وقوات الأمن العراقية على أوكار الشر التي كان ينحر فيها أولئك المجرمون الأبرياء من الوريد إلى الوريد، وعلى مخازن الأسلحة التي كانوا يفخخون فيها السيارات التي قتلت من أطفال العراق ما لم يقتله جيش "هولاكو"، وعلى المخابئ المرعبة التي كان قتلة العصر والسفاحون يسوقون إليها أبناء العراق ليسوموهم سوء العذاب، فيقطعون أيديهم وأرجلهم وألسنتهم ورقابهم لأن هؤلاء الضحايا المساكين كانوا يبحثون عن لقمة العيش لإطعام أفواه أطفالهم!
"هولاكو" العصر، "أبومصعب الزرقاوي" انتفت منه صفة الرجولة، فتحصن بين النساء والأطفال وتمركز خلف بيوتهم، وأرادها أنهاراً من الدماء، فاتخذ من مدينة الفلوجة درعاً له، رافضاً كل النداءات التي وجهتها حكومة الدكتور إياد علاوي لإنقاذ الأبرياء... فكانت النهاية مأساوية.
إنه الجهل والتخلف والعنصرية المقيتة والفكر "الإرهابي" البغيض الذي ما زال يعشش في عقول الكثيرين من أمثال "الزرقاوي"، ومنهم مع الأسف الشديد من حملة الأقلام والفكر. فلا يدركون أنهم بذلك يقضون على الأخضر واليابس، وأنهم يقودون شباب هذه الأمة إلى الهلاك.