خلال السنوات الأخيرة أصبح من المألوف أن نشهد تظاهرات عارمة ترافق أي مؤتمر دولي خاصة إذا كان يضم دول الثماني الصناعية الكبرى. مشهد التظاهرات يتلخص في أن العولمة شر مستطير لابد من كبحه وإلا تفاقمت مشكلات الفقراء في العالم. والغريب أن هذه التظاهرات لا تعبر عن تيار منظم أو أيديولوجية متماسكة يمكن حصر مبادئها وأطرها العامة، لكن تغلب العفوية على هذا التظاهرات، لتصبح حركة احتجاجية تأتي بالأساس كرد فعل على التطورات المتسارعة التي يعيشها العالم جراء العولمة. وفي تقديري تعكس هذه التظاهرات دلالات مهمة من بينها: أن القوى الاقتصادية الكبرى أصبحت كيانات غير موثوق في وعودها، فالجماعات الرافضة للعولمة، والتي هي رافضة للرأسمالية، وحرية التجارة ترى أن هذه القوى تحرك النظام الاقتصادي الدولي لخدمة مصالحها، وأن كل الشعارات المتعلقة بتحسين ظروف التنمية في الدول النامية ما هي إلى محض هراء.
وفي التحليل الأخير يمكن الخروج باستنتاج قد يكون موضوعياً إلى حدما وهو أنه يجب التعامل مع العولمة على أنها ليست شراً مطلقاً وليست في الوقت ذاته خيراً مطلقاً، فهذه الظاهرة التي تنطلق بسرعة البرق وتكتسح الجميع كالطوفان تحمل في طياتها فرصاً ومخاطر آمال ومخاوف مخاطر ومنافع، والفائز هو من يحصد مكاسبها ويخفف قدر المستطاع من أضرارها خاصة ما يتعلق بالهوية القومية والحفاظ على القيم الاجتماعية الأصيلة.
محمود عبد الرحيم - دبي