هذه المرة جاء الاختلاف بين السنّة أنفسهم حول التماس رؤية هلال شوال وليس كالعادة بين السنّة والشيعة. ومن الطريف أن الشيعة في الكويت أعلنوا أنهم سيعيّدون مع السنّة يوم الأحد كما قرر أهل الفلك، لكن، يا فرحة ما تمّت، أفطر أهل السنّة يوم السبت! ولست بصدد إثارة أي خلاف بين الطرفين لإيماني بحق كل إنسان في أن يتصرف في هذه الدنيا وفق المرجعية التي يراها مناسبة دينية أو غيرها. ولا يبدو أن العيد في العالم العربي عيد حقيقي بمعنى الكلمة، فالخلافات والمشاكل هي سيدة المواقف والحياة حتى في الدول التي لا توجد فيها حروب. لكن خلافا سنّيا بين أهل الفلك - والفلك علم- وأهل الفقه، هو العجيب، إذ بسببه وقع الكويتيون - دون أهل الخليج قاطبة- في خلاف ديني مع النفس، هل عيدهم صحيح؟ وهل أصبحوا - مدينين- دينياً بيوم صيام أفطروا فيه لأن اليقين لم يكن سيد الموقف. والأكثر طرافة أن حكومتنا لزمت الصمت ما دامت هيئة الرؤية الشرعية قد أعلنت يوم السبت غرة شوال. وهذه الهيئة التي تنعقد مرة واحدة في العام وتضم خليطاً من أهل الفقه والقانون والداخلية!. والطريف -أيضاً- أنهم يقبضون يومية على جلوسهم بانتظار الخبر كما نسمع، لمجرد اجتماعهم. ولذلك دعا أحد علماء الفلك لدينا في الكويت إلى ضم أحد الفلكيين لعضوية هذه اللجنة. ولا بأس أن نروي لكم بعض الطرائف الكويتية في قضية التماس رؤية هلال شوال الذي لا يعرفه الكويتيون سوى باسم "العيد".
لا زلت أذكر ذلك العيد الذي "أمرت" به الحكومة في عز ظهر يوم الجمعة. وجاء الوالد - رحمه الله- غاضباً وهو يبلغنا الخبر معلقاً على الموضوع بالقول "الظاهر أن شريط خبر الرؤية وصل إلى الكويت متأخراً لأنه تم إرساله على بعير"! ولكن الأطفال والشباب "عيّدوا" غير مبالين بغضب الكبار، وفطرنا الظهر، وانتظرنا العيدية، فقال الوالد رحمه الله: "باچر" أي غداً، لأني اليوم صايم، وتحترق حكومتنا وخرابيطها. وكان منظراً طريفاً بحق حين رأينا كبار السن يستكملون صيامهم، في حين يقف الشباب عند البقالة يشربون ويأكلون! وقبل سنوات أفطر الكويتيون، ثم اكتشفوا أنهم أفطروا مبكرين وبالتالي عليهم قضاء يوم صوم تم فيه العيد، لكن بصورة خاطئة. واليوم يختلف أهل الفلك مع أهل الهيئة الشرعية على هذا اليوم. لكن لا أحد من الكويتيين سأل، وسارت الأمور ليلتها في أسوأ حال.. لماذا؟ لأن الكويتيين - كالعادة- يؤجلون الأمور حتى تصل إلى الحافة. وقد صدّق الكويتيون عالمهم الفلكي الأول د. صالح العجيلي بأن الفطر سيكون يوم الأحد، وعلى هذا الأساس تمت حجوزات السفر وتفصيل الفساتين والدشاديش، وحين أُعلن أن يوم السبت هو عيد الفطر، جاء الخبر كالصدمة! ليلتها تقريباً، نام كثير من الكويتيين على الكراسي منهم من ينتظر دشداشته سواء لدى الخياط أو المصبغة، ومنهم في انتظار الخياط الهندي، ومنهم من يبحث بأي سعر عن أغراض العيد. وبسبب هذا السهر حتى الصباح ومواصلة يوم العيد، جاء يوم الأحد - ثاني أيام العيد- هادئاً كهدوء المقبرة، لأن جميع الكويتيين إما مسافرون أو نائمون. في وقت كانت فيه معظم البلدان العربية تفرح بالعيد (مجازاً).
الهلال لأي شهر لا يظهر في السماء الدنيا اعتباطاً، بل وفق حسابات فلكية محددة يعرفها أهل هذا العلم. لذلك أتساءل: ما دخل غير المختصين في الموضوع؟ وإذا ما أخذنا الحديث النبوي الشريف الخاص برؤية الهلال للصوم أو الإفطار، فلماذا إذن لا تعتمد كل بلد على مصادرها الذاتية في الرؤية، ونخلص من هذا الموضوع الذي يزعجنا كل عام؟ يعجز المسلمون عن الاتفاق على يوم العيد من واقع الهلال الذي يمكن معرفة يومه حسابياً أو من خلال الرؤية، ومع ذلك هناك من يحلم بوحدة عربية؟!.