بقيامه بتعيين "البرتو جونزاليس" في منصب وزير العدل بدلا من "أشكروفت"، يكون بوش قد قام أخيراً بتعيين الرجل الذي اعتاد دائماً أن يعطيه الاستشارة القانونية التي يريدها. ولسوء الحظ فإن تلك الاستشارات لم تكن دائماً ذات قيمة مهنية أو أخلاقية.
وربما يكون أكثر ما عرف به "جونزاليس"، هو تلك المذكرة المثيرة للجدل والتي قدمها للرئيس بوش في يناير 2002، والتي أفتى فيها بأن النصوص الواردة في اتفاقية جنيف بشأن تحريم التعذيب، لا تنطبق على مقاتلي "طالبان" و"القاعدة"، وأن تلك الاتفاقية قد أصبحت "بالية".
وهذا التفسير لنصوص القانون والذي ربما يكون مسؤولا بشكل أو بآخر عن الانتهاكات التي حدثت في سجن "أبوغريب"، سيكون بالتأكيد محور النقاش خلال الجلسات التي سيعقدها مجلس الشيوخ الأميركي لاعتماد اختيار الرئيس لـ"جونزاليس" في منصبه الجديد. وقد يرغب أعضاء المجلس أيضاً في توجيه أسئلة إلى "جونزاليس" بشأن المذكرة التي أصدرها في يونيو 1997 والتي لم تحظ بقدر كبير من الذيوع، والخاصة بمعاهدة أخرى هي (معاهدة فيينا بشأن العلاقات القنصلية). وهذه المذكرة التي كتبت عندما كان "جونزاليس" يعمل مستشاراً لجورج بوش أثناء قيام الأخير بشغل منصب حاكم ولاية تكساس، تضمنت بدعة قانونية يقول فيها إنه نظراً لأن ولاية تكساس لم تكن من ضمن الموقعين على معاهدة فيينا، فإنها تعتبر في حل من الالتزام ببنودها. أو بمعنى آخر أن ولاية تكساس ليست ملتزمة بنص المادة السادسة على وجه التحديد التي تقول إن المعاهدات التي تعقدها الولايات المتحدة تمثل المرجعية القانونية التي لا تعلو عليها مرجعية أخرى.
وهذه المذكرة كتبت في الأساس للتخفيف من قلق وزارة الخارجية الأميركية في ذلك الوقت، بشأن الإعدام الوشيك لمواطن مكسيكي تعرضت حقوقه الإنسانية بموجب بنود تلك المعاهدة لانتهاكات واضحة من قبل شرطة تكساس.
والجدير بالذكر في هذا السياق أن بوش قد قام بالمصادقة على 152 حكماً بالإعدام خلال فترة السنوات الست التي أمضاها حاكماً لولاية تكساس. وفي كل حالة من حالات الإعدام السبع والخمسين الأولى من تلك الحالات، اعتمد بوش على مذكرات قانونية موجزة قدمها "جونزاليس"، كما اعتمد أيضاً على إيجازات شفهية لا تتجاوز مدتها 30 دقيقة كان كبير المستشارين (جونزاليس نفسه) يقوم وفقاً للقانون بتقديمها للرئيس في اليوم المحدد للإعدام.
وعلى الرغم من أن الكثيرين ينظرون إلى منصب وزير العدل الأميركي على أنه منصب يرتب على من يشغله مسؤولية كبرى، إلا أن (المذكرات السرية) التي اعتاد "جونزاليس" تقديمها لرئيسه، تشير إلى أنه ينظر إلى دوره على أنه لا يزيد على المصادقة على الاستنتاجات التي يكون الرئيس قد توصل إليها مسبقاً بالفعل. فبدلا من تقديم مناقشة دقيقة ومنصفة تنظر للقضية من جميع جوانبها، وتبين الدواعي التي تستلزم اتباع قواعد الرأفة، أو النواهي التي تحول دون ذلك، كانت ملخصات "جونزاليس" الخاصة بقضايا الإعدام تتسم بالتحيز القضائي وفقدان الإنصاف. فهو لم يقم في أية قضية من تلك القضايا بإرفاق نسخة من التماسات الرأفة التي يقدمها المحكوم عليهم بالإعدام، والتي يذكرون فيها عادة الأسباب التي يرون أنها تبرر استفادتهم من مبدأ الرأفة، أو قواعد إرجاء موعد تنفيذ الإعدام، أو حتى وقفه.
وكانت ملخصات "جونزاليس" ومذكراته القانونية تهون من أهمية، أو تتجاهل، إيراد الموضوعات والأسباب الأكثر أهمية من غيرها مثل: الظروف المخففة للحكم، والمطالبة بتغيير هيئة المحكمة لعدم الكفاءة، وتضارب المصالح، والأدلة التي لم يتم تقديمها أبداً للمحلفين، بل وحتى أدلة البراءة في بعض الأحيان.
ففي إحدى القضايا تجاهلت المذكرة المقدمة من "جونزاليس" للرئيس ذكر أن هناك شكوكاً حول كون المتهم المحكوم بالإعدام يعاني نوعاً من التلف في المخ، أو الإعاقة العقلية، كما تجاهلت المذكرة أيضاً ذكر أن محاميه غير الكفء لم يطلب من المحكمة استدعاء خبير في الصحة العقلية لتقديم شهادته بخصوص حالة المتهم، كما أنه لم يقم أبدا بإبلاغ هيئة المحلفين بأن موكله متخلف عقلياً، وأن معدل ذكائه يتراوح ما بين 58 و69، وأنه قد تعرض للضرب بالسياط وخراطيم المياه، والأسلاك الكهربائية وسيور المراوح والشماعات في طفولته. وبعد 9 ساعات من الإيجاز القانوني التي قدمه "جونزاليس" للرئيس تم إعدام الرجل الذي كان اسمه "تيري واشنطن". وفيما بعد تبين للمحكمة أن إعدام المتخلفين عقلياً أو من يعانون قصوراً في تلك القدرات يمثل نوعاً من العقوبة القاسية وغير المبررة.
ولم تكن هذه هي القضية الوحيدة حيث كانت هناك قضية أخرى اتهم فيه رجل صدر ضده حكم بالإعدام يدعى "ديفيد وين ستوكر". وأشارت مذكرة "جونزاليس" إلى أن هناك 18 سبباً يدعو لتنفيذ العقوبة، وتجاهلت تماماً ذكر حقيقة أن أحد شهود القضية تراجع عن شهادته بعد أن قدمها، وقال إنه قد تم إقناعه من قبل رجال النيابة بتقديم شهادة معدة له سلفاً، وإن أحد الشهود قد نال مكافأة مقابل إيقاعه بـ"