الحساسية الغذائية.. والتشريعات القانونية
يعيش أفراد المجتمعات البشرية الحديثة، تحت حماية ورقابة مجموعة من القوانين، والتشريعات، الخاصة والمتخصصة في ما يتناولونه من غذاء، ومن طعام يومي، مثل تلك التي تضمن سلامة وأمن الغذاء كخلوّه من الطفيليات والجراثيم، أو من المبيدات الحشرية، والمواد الكيميائية الضارة، أو التي تضمن أن طعامهم قد حضّر وجهز بطريقة مطابقة للمعتقدات الدينية، وأحياناً حتى حسب المقبول ثقافياً واجتماعياً. ولن يتسع المقام هنا لذكر وتعداد القوانين والتشريعات التي تتعلق بالطعام والغذاء، أو حتى المرور سريعاً على الجوانب المختلفة التي تحاول تغطيتها، وإن كان جزء كبير من هذه القوانين والتشريعات، ومن تلك الجوانب، موجودا ومنصوصا عليه -من المنظور الدولي- فيما يعرف بكتاب أو تشريعات الغذاء (Codex Alimentarius)، التي هي عبارة عن نتاج مفوضية متخصصة تابعة للأمم المتحدة، تم إنشاؤها في بداية عقد الستينيات، بمشاركة منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، ومنظمة الصحة العالمية.
ومما لاشك فيه، أنه خلال العقود الخمسة الأخيرة، منذ إنشاء تلك المفوضية، وصدور النسخة الأولى من كتاب الطعام، شهدت القوانين والتشريعات المتعلقة بالغذاء تطورات كبيرة ومتلاحقة على الصعيدين المحلي والدولي. وآخر تلك التطورات كان البدء، منذ يوم السبت الماضي، بتطبيق قانون في جميع الدول الأوروبية، يُجبر جميع المطاعم، بشكلها التقليدي، أو تلك المتخصصة في الوجبات السريعة، والمستشفيات، وبيوت رعاية المسنين، والمخابز، والمقاهي، بالإضافة إلى شركات تصنيع وتعبئة الأغذية، على إبلاغ المستهلكين بما إذا كان ما تقدمه من طعام للزبائن، يحتوي على قائمة من أربعة عشر مكوناً من المكونات الغذائية المعروف عنها تسببها في الإصابة بالحساسية لدى بعض الأشخاص.
وباختصار، تتضمن هذه القائمة كلاً من: الحليب، والبيض بجميع مكوناته، والأسماك، والمكسرات بجميع أنواعها، وخصوصاً الفول السوداني، وبذور السمسم والطحينة، والترمس، والأطعمة البحرية من القشريات مثل الروبيان، وأم الربيان، والسلطعون أو الكابوريا، وجميع الأطعمة من فصيلة الرخويات، كالمحار البحري، وبلح البحر، والحبّار، والحلزون والقواقع الأرضية، بالإضافة إلى المسطردة، والصويا، والكرفس، وحبوب الإفطار المحتوية على مادة «الجلوتين»، مثل القمح، والشعير، والشيلم، وبعض المواد الكيميائية الحافظة مثل ثاني أوكسيد الكبريت.
ويأتي تفعيل هذه القوانين، في ظل حجم مشكلة حساسية الكثيرين لأنواع متعددة ومختلفة من الطعام، التي قد تتسبب لهم في مضاعفات صحية خطيرة. فلأسباب غير معروفة، أو مفهومة حالياً، تزايدت في الآونة الأخيرة معدلات تشخيص الإصابة بحساسية الطعام، وهو ما قد يكون ضمن الاتجاه الملحوظ بتزايد معدلات الإصابة بأمراض الحساسية بوجه عام. حيث يقدر أن حساسية الطعام تصيب ما بين 6 إلى 8 في المئة من الأطفال، وحوالي 4 في المئة من البالغين. وحسب إحصائيات الأكاديمية الأوروبية للحساسية، تصيب حساسية الطعام أكثر من 17 مليوناً من سكان القارة الأوروبية. وفي بريطانيا وحدها، يتعرض خمسة آلاف شخص سنوياً لنوبات ومضاعفات خطيرة، من حساسية الطعام، وبدرجة من الشدة تتطلب العلاج في أقسام الطوارئ بالمستشفيات. وأحياناً ما تكون هذه النوبات قاتلة، حيث يقدر أن حساسية الطعام تقتل عشرة أشخاص سنوياً في بريطانيا.
ويعتبر الفول السوداني، والحليب، والبيض، والمكسرات، والأسماك، والمحاريات، والصويا، والقمح، هي الأطعمة الأكثر تسبباً في حساسية الطعام، وبالتحديد هي مسؤولة عن 90 في المئة من الحالات. ولدى الأطفال، يعتبر الحليب، والبيض، والفول السوداني، والمكسرات، هي الأكثر تسبباً في حساسية الطعام.
وحسب تقرير صدر عن الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، تتواتر الأدلة على أن الرضاعة الطبيعية لفترة أربعة أشهر على الأقل، تقلل من، أو تؤخر الإصابة بحساسية الجلد أو الأكزيما، وبالحساسية ضد حليب الأبقار، وبضيق الشُّعب الهوائية، وذلك مقارنة بالأطفال الذين تمت تغذيتهم على حليب صناعي خلال الشهور الأولى من حياتهم، مصنع من بروتين كامل من الحليب البقري. أما لتجنب الإصابة بالنوبات الناتجة عن حساسية الطعام فيتطلب ذلك الالتزام بنظام غذائي محدد وصارم. وإن كان من الصعب تحديد كمية الطعام التي يمكن أن تتسبب في وقوع النوبة، ولذا يجب تجنب أي كمية من الطعام المعروف عنه تسببه في الحساسية، حتى ولو كانت كميات متناهية في الصغر. وتمثل هذه السياسة الخط الأول، والأهم، في إدارة وعلاج المصابين بحساسية الطعام، مع ضرورة التنبية إلى أن نوبات الحساسية تلك قد تتسبب في تبعات صحية خطيرة، وحتى الوفاة أحياناً، ولذا لابد من مراجعة طبيب متخصص في أمراض الحساسية لمثل هؤلاء، وتثقيفهم، هم ومن حولهم، عن كيفية التصرف بشكل سليم أثناء وقوع النوبة. ومما لاشك فيه، أن القوانين والتشريعات، كتلك التي بدأ العمل بها في الدول الأوروبية هذا الأسبوع، والتي تشترط تضمين معلومات تفصيلية عن المكونات الغذائية المعروف عنها تسببها في نوبات الحساسية، أن تقلل من معدلات وقوع مثل تلك النوبات.