الدراسة التي قُدمت لاجتماع وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل في مؤتمرهم الأخير بالكويت، تحتاج إلى دراسة متأنية، وذلك قبل أن تخرج الصحف الخليجية بمانشيتات تقول:"مليونا خادمة في الخليج يواجهن سوء المعاملة" (صحيفة الراية 27-10-2004).
وإذا كان عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 33 مليون نسمة ثلثهم من الأجانب (11 مليون عامل أجنبي) يحولون إلى بلدانهم 25 ملياراً من الدولارات سنوياً، وجل هذه العمالة من آسيا وجنوب شرق آسيا وهم من محدودي الثقافة والتعليم، بل إن جلهم يأتي من الأرياف والقرى التي لم تلتصق بالحضارة ومعالم الحياة الحديثة، كما أن بعضهم يأتي بقيم تخالف العقيدة الإسلامية والتقاليد العربية، ناهيك عن "العداء" الإنساني والحقد الشخصي على ثروة المنطقة وأهلها، فإن دراسة واقع ومحصلة هذا التنوع الثقافي والنفسي والاقتصادي سوف تؤدي إلى إطلاق الحكم العادل على حقيقة الموقف من الخدم الذين لا نعتقد أنهم كلهم "ملائكة".
ولقد عانى مجتمع الخليج من الآثار السلبية للطفرة النفطية، إذ أن هذه الطفرة لم تكن الطريق إلى "جنة عدن"... بل كانت - في بعض أوجهها- جحيماً طال إنسانية الإنسان، وصنّفت البشر إلى طبقات، ومستويات، ومراتب، تماماً كما كان العهد بالحضارات البائدة التي سخّرت الإنسان عبداً للمادة، أو عبداً للآخرين، مما أظهر دولة "الرفاه" التي شوهت روح الإنسان وجعلته أسيراً لدى الدولة دون أن يناقش أو تتاح له فرصة مناقشة واقعه أو مستقبل أبنائه، طالما أن الدولة تفكر وتخطط بالنيابة عنه، وهذا ما أفرز الإنسان غير المبالي، غير المفكر، غير المنتج، طالما أن الإنتاج يصل إلى عتبة بيته، وإن كان "فتاتاً" مقارنة بدخول النفط وغيره من الثروات الطبيعية التي يدوس عليها.
هذا الإنسان "المشوه" احتاج إلى من يخدمه، حتى في تركيب "لمبة" في سقف المنزل، أو في توصيل وجبة إلى المستشفى أو حفلة زواج. لذا كان من سلبيات هذا التوجه أن دخل بيوت الخليجيين أغرابٌ ثقافياً ودينياً وسلوكياً، ونتجت عن ذلك الدخول -الذي يستخفّ به كثيرون- حوادث تتعلق بالأخلاق والشرف والتربية والأمانة. ومن أمثلة ما واجهه هذا المجتمع ما يلي:
- غياب الزوج عن منزل الزوجية، ونيابة السائق عن الزوج في كثير من المهام، مما جعله قريباً من الزوجة أو البنات، عارفاً بأسرارهن ومشاويرهن وعلاقاتهن. وكثيراً ما استخدم السائق المواقف السلبية للزوجة أو البنات كسلاح تهديد يستغلهن بواسطته على عدة أوجه، ولا نستبعد الجوانب الأخلاقية في هذا الخصوص.
- تعلّق الأطفال بالمربيات بصورة واضحة، نظراً لغياب الأم، أو انشغالها بأعمالها وصداقاتها، وهذا ينقل إلى الطفل العديد من الأفكار والمعلومات التي تتعارض - في أحيان كثيرة- مع تعاليم الدين وقيم المجتمع.
- الجرائم الأخلاقية التي تتم "عنوة" ضد البنات في غياب الوالدين بواسطة السائقين، وتفشي سوء العلاقة بين الأسرة نتيجة ذلك، وخوف الوالدين من اللجوء إلى المحاكم أو الشرطة درءاً للفضيحة وسوء المآل.
- السرقة - بكافة أنواعها- التي تتم في البيوت "الراهية" المنيفة نتيجة كثرة الجواهر والحلي والمقتنيات وعدم مبالاة الفتاة أو المرأة بمقتنياتها نتيجة كثرتها وصعوبة إحصائها.
- إتلاف المقتنيات، وخصوصاً السيارات الفارهة، حيث تأتي مكاتب الخدم بسائقين لم يقودوا من قبل مثل تلك السيارات الفارهة التي تصل قيمتها إلى ربع مليون ريال قطري أو أكثر، حيث نشاهد سائقين متهورين أو مرتبكين يقودون سيارات فارهة وغالية ويعملون حوادث تودي بالسيارة، ولا يكلّف صاحبها نفسه طرفة عين، بل يلجأ إلى التأمين أو المعرض ليخرج سيارة أخرى.
- التفكك الأسري الناتج عن إهمال الزوج لزوجته وأبنائه، نتيجة اعتماده على السائق الأجنبي، وسفر الزوج المتكرر خارج البلاد، وتصرّف السائق باسم الزوج في المعاملات الرسمية والاجتماعية.
نحن لا ننكر، هنا، حالات سوء معاملة الخدم وتأخير دفع رواتبهم واستغلالهم والاعتداء عليهم وعدم الاهتمام بأوضاعهم المالية والصحية والنفسية، وتوجد في المحاكم -في كثير من دول المنطقة- حالات عديدة، وما الترحيل المتكرر إلا نتيجة واضحة لذلك. لكننا نتحدث هنا عن الخدم والسائقين الذين يعيشون حياة رغيدة مع كفلائهم. فالسكن المكيف النظيف متوفر والراتب يدفع آخر الشهر، والطعام هو نفسه طعام العائلة، والمعاملة راقية، والهدايا في العيد موجودة، والسفر في الصيف إلى لندن والقاهرة وبيروت متوفر. أي أن الخادمة – أو السائق- تعيش حياة هانئة رغيدة، ويكون كفيلها قد صرف عليها الكثير، ثم تأتي بعد ستة شهور باكية تريد العودة إلى بلادها، أو أن يكون السائق يعيش نفس الحياة المذكورة آنفاً، ويكون قد تسلم مفاتيح المنزل، وما إن تذهب العائلة صيفاً خارج البلاد، ويوقّع الكفيل تصريح الخروج للسائق كي يذهب لزيارة عائلته، بعد أن حمّلته زوجة كفيله بالهدايا والمال لأهله، يتأخر السائق حتى تغادر العائلة، ويأتي بشاحنة تحت جنح الظلام ليسرق محتويات المنزل الغال