من أغرب الشروط التي يتشدق بها بعضهم كسبيل لتهيئة المجال أمام رفع نسبة التوطين في قطاع المصارف، أن يتم تعديل الإجازة الأسبوعية للبنوك لتصبح يومين بدلا من يوم واحد على أساس أن المواطنين يفضلون قطاعات العمل التي تحصل على يومي إجازة أسبوعياً!! طبعاً هذا الكلام قد يكون صحيحاً بالنسبة إلى نفر قليل من المواطنين، ولكنه بصراحة نوع من تلبيس الحق بالباطل، وعزف على نغمة اتهام المواطنين بالتكاسل والتواكل وانعدام الطموح، فحسابات المواطن - شأنه في ذلك شأن كل البشر- تقوم على المصلحة الفردية والمفاضلة بين الخيارات وفقاً للمصلحة الذاتية وحسابات الربح والخسارة مادياً ومعنوياً وفقاً للفرص المتاحة ولا غرابة في ذلك.
أغرب ما في هذا الكلام أنه يتعلق بقطاع حيوي يشكل عصب الاقتصاد الوطني، حيث يريد هؤلاء بحديثهم الزج بقطاع المصارف في دوامة الروتين الحكومي وتهديد الحراك الاقتصادي الهائل الذي تشهده مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية في الدولة بدعوى مصلحة المواطنين، وهي دعوة حق يراد بها باطل، فمن يبغي الحفاظ على مصلحة المواطنين لا يسلك طريق الإضرار بمصلحة الوطن من قريب أو بعيد، خصوصاً أن الواقع يقول إن هذا ليس رأي المواطنين - أو غالبيتهم العظمى على الأقل - ولا توجهاتهم حيال العمل في المصارف، ولنختبر هذا الأمر بإعلان بسيط عن شغل وظائف للمواطنين فقط، وننتظر لنرى الكم الكبير من المتقدمين حتى لو كان الإعلان في صفحات داخلية أو حتى على مداخل البنايات، فالبطالة يا سادة مثل الجمر لا يشعر بها سوى من يقبض عليها بيديه. ولمن يروج هذه المقولات والادعاءات حول تفكير المواطنين في الإجازات والعطلات وتركيزهم عليها كعامل محدد لقبول العمل في المصارف، لا نطالبه بدليل أو برهان على صحة كلامه، ولكن فقط نوجه له دعوة مفتوحة تدحض هذه الأفكار المقولبة وغيرها، وهذه الدعوة ليست إلى مكان بعيد ولا إلى جولة في أفكارنا، ولكن فقط عليكم بزيارة مؤسسة "اتصالات" و"إدارة المرور"، ومستشفيات مثل "مستشفى زايد العسكري" خلال فترات العمل المسائية المتواصلة على مدار الأسبوع، وأيضاً خلال دوام يوم الخميس حتى يمكن لأصحاب هذه الرؤى والنظريات الوهمية أن يدركوا بأنفسهم كيف يعمل موظفو هذه الجهات من المواطنين والمواطنات أيام الخميس وأثناء فترات الدوام المسائي بكل الهمة والنشاط وبابتسامة ترحيب لا تفارق الوجوه وترد ضمناً وعملياً على كل من يشكك في قدرات هذا الشباب الواعد أو يحاول لي ذراع الحقائق ربما لمصالح خاصة أو هروباً من استحقاقات معينة تتصل بالالتزام بمعدلات التوطين في المصارف وغيرها من قطاعات العمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية