البطالة أصبحت كلمة رنانة في قاموس الحياة الاجتماعية بالدولة، ويتم استخدامها كمعلومة عابرة يتغير حجمها عند التصريح بها في الإعلام من مسؤول إلى آخر، إلا أن الأمر أبعد من مجرد رقم كبُر أو صَغُر.
فالبطالة لم تعد معلومة نضيفها إلى معارفنا العامة وكفى، وهي ليست مشكلة يمكن علاجها بشكل آني وعلى عجل، بل هي ظاهرة خرجت عن إطار المعلومات العامة والمشكلات الوقتية إلى قضية تمس الجانب الاستراتيجي من التوطين والإحلال في الدولة بكافة قطاعاتها.
البطالة المحسوسة من قبل الجميع ليست عبارة عن حبوب مخدرة لما وراءها وبحاجة إلى حلول جذرية توفر فرصاً وظيفية حقيقية ودائمة لتوفير مشاكلها الجانبية على المجتمع ككل.
فهي لا تقل أهمية عن ظاهرة العنوسة وجنوح الأحداث وغيرها من المشاكل التي لا تخلو منها كافة المجتمعات التي تعمل لهذه القضايا حسابات خاصة في سلم أولوياتها.
نعود إلى الظاهرة التي يجب التعامل معها بشكل مختلف وبما يتوافق مع الظروف الخاصة بالدولة دون أن ندخل في متاهة المقارنات مع المجتمعات الأخرى التي تعاني من ذات الأمر الأمرَّين، أن يتم الحديث عن البطالة على أساس أنها أمر روتيني في مجتمع يستقبل مئات الألوف من العمالة الوافدة فلا يملك أحد أي وجه للحق في هذا الطرح.
عندما نسمع عن الألوف الذين يدخلون البلد عن طريق تأشيرات الزيارة والتي تمدد لفترات متتالية من أجل الحصول على فرص عمل وليس الاستمتاع بملاقاة الأهل والأصحاب، فإن الأمر بحاجة إلى وقفات لأن المواطن العاطل عن العمل المرابط في أرضه لا يجد هذه الفرص ولسنوات طويلة من المحاولات في بعض الأحيان.
ولسنا هنا بصدد تقييم المعلومات المتناقضة التي تنشر أحياناً عن الأرقام الفعلية للبطالة، فقبل عام 2004 كانت النسبة تحوم حول 6% وبعد ذلك أقر مجلس الوزراء النسبة التي رفعتها هيئة "تنمية" والتي قاربت 16%، وقبل أيام صرح وكيل وزارة العمل عن نسبة 3%، ولو كانت النسبة الفعلية 1% فهي مقلقة عندما لا تجد لها موضع قدم.
فخطط التوطين بالدولة لا يمكن أن تستند إلى الأرقام غير المتفق عليها لأن الفروق شاسعة إلى درجة الغموض أحياناً، فإذا كان التصريح بالرقم الأخير قصد به عدم المبالغة في حجم ظاهرة البطالة، فإن أجندة العاطلين تثبت عكس ذلك في سياق مخرجات التعليم التي تعطي مؤشرات قوية على وجود آلاف الباحثين عن العمل في كافة التخصصات العلمية وعلى رأسها تقنية المعلومات التي أنشئت من أجلها الكليات الخاصة التي لا يمكن لسوق العمل بالدولة المضي في مشاريعه من دونها.
إننا لا نريد من هذه الأرقام أن تتحول لدى البعض إلى مضادات حيوية ضد توظيف أكثر من 30 ألف عاطل عن العمل مسجلين معظمهم في قاعدة بيانات هيئة "تنمية" المعنية مباشرة لإيجاد الحلول العملية لهذه الظاهرة المقلقة ولو بنسبة 1% ولا نقول 16% حتى لا يرتعب البعض.
إن تصغير النسب أو تكبيرها لا يعنى ذوبان هذه الظاهرة وتلاشيها، ففي كل عام دراسي جديد هناك فاقد واضح من خلال مخرجات التعليم التي تنضم إلى سوق العمل بالدولة فعلياً فلا علاقة لهم بأي عمل في هذا السوق، وإلا لما أطلقنا عليهم وصف العاطلين الباحثين عن أية فرص وظيفية تزيل عنهم ذلك الوصف الذي يقلل البعض من مفعوله السلبي، وهو ظاهر لكل عين لا تحجبها النظارة السوداء التي تلبس في المساء لتغطية ضوء النهار الذي يفضح الحقائق الملموسة دون الحاجة إلى بنك مختص بالمعلومات عن البطالة.