الهدف الرئيسي من إنشاء مواقف السيارات متعددة الطوابق يتمثل في امتصاص تكدس السيارات وتحسين الأحوال المرورية، وحتى الآن ورغم افتتاح نحو خمسة أو ستة مواقف ضخمة في شرايين رئيسية وسط العاصمة أبوظبي، فإن مشكلة الزحام لا تزال قائمة ولم يظهر أثر ملموس لهذه المواقف في احتواء الزحام. وربما أن هذا الإخفاق يرتبط برسوم استخدام هذه المواقف الحديثة، حيث يتم تحصيل رسوم بواقع درهمين للساعة الواحدة و15 درهماً لليوم الكامل و350 درهماً عن الشهر الواحد، ويرى الكثيرون ـ بصراحة ـ أن رسوم الاستخدام هذه مرتفعة، أو على أقل التقديرات "يمكن توفيرها" في ضوء إمكانية العثور ـ ولو بصعوبة ـ على بديل أو مكان انتظار مجاني. وهناك سبب آخر يرتبط بسلوكيات قائدي السيارات، حيث اعتاد الناس على الحياة المترفة وإيقاف سياراتهم أمام مقار سكنهم أو عملهم مباشرة، وتعديل مثل هذه السلوكيات لا يتأتى فقط عبر حملات إعلانية، بل يتطلب أيضاً إجراءات تحفيزية مثل ربط السلوك المطلوب بمصالح مادية أو معنوية، كأن يتم تخفيض رسوم استخدام المواقف. بل يمكن دراسة عدم تحصيل رسوم للاستخدام المؤقت لمدة ساعة أو ساعتين لا سيما في المواقف القريبة من القطاعات الخدمية، مثل موقف شارع حمدان المواجه لوزارة الصحة، ولو لساعات محدودة خلال النهار فقط لخدمة المراجعين، وانطلاقاً من أن المردود المعنوي المنتظر يفوق بمراحل العائد المادي من تحصيل رسوم الاستخدام.
المنطق يقول إن تخفيض رسوم استخدام هذه المواقف أفضل من تحول بعض هذه المواقف إلى ملاعب لكرة القدم والكريكت خلال فترات المساء وأثناء العطلات والإجازات، وأفضل أيضاً من ترك هذه المواقف خاوية تعاني الفراغ وتتحول إلى بيوت للعنكبوت، في حين تعاني المواقف العامة المجانية زحاماً لا يطاق طوال ساعات اليوم. صحيح أن منطق العصر يشير إلى أن دول العالم جميعها تتجه إلى التخلي كلياً أو تدريجياً عن الخدمات المجانية التي تثقل كاهل الميزانيات العامة، ولكن في بعض الحالات ربما يفرض الأمر ضرورة المواءمة بين حسابات الأرباح والخسائر. وبمعنى أدق قياس معدلات الأفضلية، وهل يتمثل في التمسك برسوم استخدام المواقف العمومية والإصرار على فرضها؟ أم إعادة النظر فيها أو إسناد إدارتها للقطاع الخاص وإلزامه بسقف معين للرسوم مقابل تخفيف عبء التكدس المروري في المواقف العامة، والحد من تداعياته السلبية؟ خصوصاً ما يتعلق منها بمعاناة كبار السن والمرضى، وأيضاً تسهيل الحركة المرورية أمام عربات الطوارئ والدفاع المدني التي تجد في بعض الأوقات صعوبات جمة في الوصول إلى هدفها بسبب سوء انتظار السيارات والتكدس الفائق في المواقف العامة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية