بداية القصة، خبر يلفت الانتباه بالصفحة الأولى في صحيفة "الاتحاد" يوم الثلاثاء الماضي، ونسب إلى "مصادر وثيقة الصلة"، ويتحدث عن "شركة عالمية" لم يحددها الخبر ولكنه قال، إنها تتخذ من دبي مقرا لها، تتجه إلى إطلاق مشروع سياحي ضخم باسم "الدرة" فكرته قائمة على إنشاء عجائب الدنيا السبع وبحجمها الطبيعي نفسه في مدينة دبي. أما نهاية هذه القصة فجاءت اليوم التالي على شكل نفي لوجود المشروع نسب إلى مصدر مسؤول في دبي، ونشرته صحيفة "الاتحاد" في صفحة داخلية، في حين نشرته "البيان" في صفحتها الأولى. ما بين البداية والنهاية بالتأكيد أحداث لم نعرف تفاصيلها ولا خلفياتها، ولا نستطيع ـ مهنيا ـ أن نلوم "الاتحاد" على نشر هذا الخبر الذي نفته سلطات دبي، ولكن كنا نتمنى أن ينشر النفي في نفس موقع النشر في "الاتحاد" ليس لاعتبارات إجرائية، ولكن لعوامل تتعلق بمصداقية "الاتحاد" بين قرائها، فليس عيبا أن تخطىء الصحيفة، فهذا أمر وارد مهنيا، ولكن يفترض أن يكون لتطويق آثار الخبر أولوية قصوى، لاسيما أن الأمر يتعلق بخبر عن مشروع وهمي تم فيه تداول الحديث عن خمسة مليارات دولار كاستثمارات مزعومة!.
بخلاف موضوع نفي الخبر ومكان نشره، نأتي إلى نقطة مهنية بالغة الأهمية تتعلق بضرورة توخي الحذر من أي استغلال سيئ للمصداقية الصحفية في تسويق مشروعات وهمية، فمصداقية الخبر ومصداقية الصحيفة توأمان يصعب فصلهما في عصر فصل التوائم البشرية، وبالتالي فإن حكم القراء ـ ومنهم المستثمرون ـ على الخبر يعتمد في قدر كبير منه على مصداقية الصحيفة، وهنا تكمن الخطورة والحساسية الفائقة التي قد يحاول البعض استغلالها لتحقيق مكاسب مادية. وقد رأينا في تجربة شركات توظيف الأموال في كثير من الدول العربية أن الضحايا أو العملاء قد عادوا باللوم على الحكومات ووسائل الإعلام التي يرون أنها "شاركت" في خداعهم عبر السماح بنشر إعلانات الشركات الوهمية في وسائل الإعلام الرسمية!.
عندما نعيد قراءة الخبر المنشور في "الاتحاد" مجددا نكتشف أن هناك شيئا ما مريب، وأن الصحيفة ربما وقعت ـ تحت وطأة التنافس على سبق وتميز صحفي ـ ضحية "مسرحية" محبوكة جيدا وبعناوين وأسماء براقة لجذب القراء أو قل الضحايا، وربما تكون هذه أحدث محاولة لتسويق مشروعات وهمية، ولكنها قد لا تكون آخرها، فالنجاح الاقتصادي بالدولة يغري محترفي النصب الدولي بالبحث عن "صيد سمين"، ولذا ينبغي أن يكون إعلامنا حذرا ودقيقا في نشر الإعلانات التجارية وأيضا الأخبار الاقتصادية غير معلومة المصدر، فالأخبار عادة أهم وأكثر تأثيرا لأسباب تتعلق بمصداقية الخبر لدى القراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية