قبل عام مضى، أفضت الأحداث المتوالية في «ميدان» إلى زوال نظام «فيكتور يانوكوفيتش» الموالي لروسيا، وإلى انتصار القوى الأوكرانية الموالية لأوروبا. لكن أوكرانيا أضحت الآن محاصرة في رحى حرب مع موسكو ووكلائها المحليين. ولم تعد المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة في أوكرانيا أكبر من مساحة هولندا، ويواجه الاقتصاد الأوكراني سقوطاً حراً، بينما ترزح موسكو تحت وطأة العقوبات الغربية. وتعاني منطقة الجوار الروسي اضطرابات، بينما يبدو الغرب مرتبكاً ومنقسماً بشأن الخطوة التالية التي يتعين عليه القيام بها. وهذه الحرب ليست من أجل الاستحواذ على أرض أو بشأن قادة بعينهم. لكن ما يتم تقريره في أوكرانيا الآن هو ما إذا كان سيتم السماح لدول ما بعد الاتحاد السوفييتي بتحرير نفسها من دائرة الوهن والفساد والعنف.. لبناء مجتمعات ديمقراطية منفتحة حديثة بدلاً منها. بيد أن إصلاح أوكرانيا ليس مهمة سهلة، فالعادات القديمة يجب تغييرها، بعد أن كانت الوظيفة المفضلة للنخب، على مدى ربع قرن، هي سرقة الثروة القومية، وهو ما أفضى إلى ثورتين شعبيتين. لكن جيل الشباب الأوكراني مذهل ولا يخشى شيئاً. وقد أخرج إلى الساحة نقاشاً حيوياً ونظاماً سياسياً منفتحاً، وأخيراً أصبح هناك إجماع بين الطبقة السياسية على أنه لم يعد بالإمكان استمرار العمل بالطريقة المعتادة. وبات من الحتمي إجراء إصلاحات جذرية للإجهاز على الفساد، والمضي قدماً في تخفيف وطأة القيود الحكومية، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتحرير الدولة من قيود أباطرة النفط، وقبضة الحكم الاستبدادية. وقد دعاني الرئيس الأوكراني «بيترو بوروشينكو»، الشهر الماضي، لترؤس مجلس استشاري عالمي هدفه تشجيع الإصلاحيين البارزين من أنحاء العالم على المساعدة في إنجاح أوكرانيا خلال هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة. ويتم أيضاً إدماج أجانب ممن لهم سجلات إصلاحية ناجحة، وهي خطوة جريئة غير معتادة، لكنها قد تساعد كييف على كسر دائرة العقدين الماضيين، ثم الانطلاق باتجاه جديد. وأصبح إصلاح الشرطة، وهو أولوية واضحة تحت قيادة إكاترينا زجولادزي، التي ترأست مبادرة الشرطة المبدعة في جورجيا. ومن ثم سيباشر جورجي آخر إصلاح نظام التقاضي. وأصبحت ناتالي جاريسكو، وهي دبلوماسية أميركية سابقة، وزيرة للمالية. وتولى مواطنون أجانب آخرون مناصب رئيسية أخرى ضمن فريق الإصلاح في كييف. وهذه الخطوات ستكون محورية في الدفاع عن أوكرانيا، والذي يتطلب ثلاثة عناصر: أكثرها أهمية، أن أوكرانيا يجب أن تصبح نموذجاً ناجحاً للنمو الاقتصادي، والإصلاح الديمقراطي، الذي يجذب جميع الأوكرانيين، مثلما أصبحت برلين الغربية أنموذجاً يحتذى به لمن يعيشون في برلين الشرقية، ورمزاً لمن خارجها. وسواء أكان ذلك جيداً أم سيئاً، يشعر الروس بروابط مع أوكرانيا، ومن ثم سيساعد نجاحها على مدهم بالإلهام. ولابد من زيادة التكلفة الاقتصادية التي تتكبدها روسيا عبر مزيد من العقوبات الاقتصادية، كما حدث مع صربيا في التسعينيات. ويجب أيضاً زيادة التكلفة العسكرية أمام روسيا عبر إمداد أوكرانيا بأسلحة دفاعية، خصوصاً مضادات الدبابات التي يمكنها وقف تقدم الدبابات الروسية. وربما لا تكون أوكرانيا عضواً في «الناتو»، لكنه يمكن تشجيعها على تشكيل تحالفات إقليمية ثنائية وتوثيق التعاون مع «الناتو» والولايات المتحدة لتعزيز الأمن الإقليمي. وكما يتعين أن يتضمن الهدف من برنامج الشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي عضوية كاملة لأوكرانيا في الاتحاد، لابد أيضاً أن تبقى العضوية الكاملة في «الناتو» خياراً إذا ما تمت تلبية الشروط. وتحتاج كل من أوكرانيا وروسيا بعض الحب الحازم من قبل الغرب. فيجب أن يواصل القادة الأوكرانيون إجراء إصلاحات صارمة والتعاطي مع شعبهم، وينبغي أن تظل حزم المساعدات الغربية مشروطة بإحراز هذا التقدم. غير أنه لابد أيضاً أن تدفع روسيا ثمناً مقابل إخفاقها في وقف عدوانها. وإن هناك أموراً أخرى كثيرة مطلوبة، لكن الإخفاق ليس خياراً من بينها، ونجاح الإصلاح في أوكرانيا هو أفضل فرصة للدفاع عن سلام أوروبا. والدفاع عن سيادة أوكرانيا سيمكنها من أن تصبح الدولة الأوروبية، التي خرج الأوكرانيون مرتين إلى الشوارع للمطالبة بها، تلك الدولة والمُثُل التي يسفكون الدماء من أجلها الآن في شرق أوكرانيا. *رئيس جورجيا من 2004 إلى 2013 يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»