التعليم سؤال «الكيْف» و«الكم»
هدف التنمية الشاملة المستدامة في أي قُطر هو أن يستفيد أبناء ذلك القطر من نتائج التنمية التي تجري في بلادهم، وتلك الاستفادة تتمركز في التمتع المتساوي بنتائج التنمية. هذا الأمر يمكن التعامل معه من منظورين: الأول هو المشاركة الجماهيرية المتساوية في عمليات الإنتاج التي تولد الثروة والدخل عبر سياسة التعليم، والثاني هو التوزيع الأكثر مساواة للثروة والدخل الذي يتم خلقه من قبل عملية التنمية عبر السياسات المالية الأكثر تطوراً وفعالية.
وهنا فإنه إذا كان للتعليم علاقة بالجهد المتعلق بالتنمية، بمعنى أن يدرج الهدف من التنمية ضمن النظام التعليمي كمحتوى مولد للوظائف ومانع للبطالة، وإن كانت تلك البطالة مقنعة، فإنها في هذه الحالة تكون مشابهة للبلسم الوقائي ذي المفعول السحري في منع حدوث الأمراض قبل استفحالها وتفشيها.
إن هذا يعد عاملاً مهماً، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار استخدام وسائل تطبيق التكنولوجيا المتقدمة في عمليات التنمية الشاملة المستدامة، فالتكنولوجيا الحديثة لا تعد محايدة حيال العديد من القضايا والعادات والتقاليد والثقافات والأفكار والمعتقدات، وحتى حيال الأشياء الملموسة. وضمن عدم حيادها هذا حيال أمور وقضايا وأشياء عديدة تأتي مسألة عدم حيادها تجاه أنواع المخرجات التي قد تنتج عبر طريق استخدام مدخلات تتعلق بتوظيف التكنولوجيا ذاتها بشكل مكثف في عمليات التنمية الاقتصادية والأنشطة المتعددة للمجتمع.
وفي المجتمعات ذات الكثافات السكانية الكبيرة كلما زاد استخدام التكنولوجيا المتقدمة، فإن الطلب على العمالة اليدوية التقليدية ينخفض. أما في المجتمعات ذات الكثافات السكانية القليلة، فإن إدخال التكنولوجيا المتقدمة يخلق توازناً بين الطلب على العمالة وبين قدرة المجتمع على مقابلة ذلك الطلب. ونحن نعلم أنه عبر الطلب على العمالة يتأثر توزيع الدخل بين القطاعات المختلفة للمجتمع، وقد لا تكون هذه هي الحالة السائدة الآن في دولة الإمارات العربية المتحدة، لكن قد يقول قائل بأن الإمارات تعاني الآن من نقص شديد في وجود الكم المناسب من العمالة المواطنة، لذلك يجدر التنويه إلى أن القضية ليست قضية كم فقط، ولكنها مسألة ثنائية الجانب لها مظهران هما الكم والكيف، وحالة الإمارات المعاصرة هي حالة «كيف» أكثر من كونها حالة «كم»، وذلك لأنه ليس في وسعها أن تتمكن من حل مشكلة الكم في العمالة المواطنة على المدى المنظور لأسباب موضوعية لها علاقة بمجمل الكثافة السكانية المواطنة، وما تستطيع القيام به هو معالجة «الكيف» أو النوعية المتواجدة على صعيد العمالة المواطنة.
وعليه فإن قياس كفاءة ونجاح نظام الإمارات التعليمي يصبح أكثر وضوحاً إذا نظرنا إلى الجوانب الموضوعية فيه المتعلقة بقدرته على إعداد النوعية الكفوءة من العاملين المواطنين الذين يستطيعون شغل الوظائف ذات التخصصات العالية. ويقابل ذلك أو يكمله قدرة المجتمع ككل والمخزون البشري المواطن المتواجد على أن يكون مؤهلاً لمقابلة الطلب على الوظائف والتخصصات الموجودة، فالعملية هنا متداخلة ومتشابكة وتشكل معادلة صعبة الحل في ظل ظروف شح الكثافة السكانية المواطنة. وإلى ذلك فإن إدراك وجود علاقة عضوية بين التنمية الشاملة المستدامة والتعليم يعني بالضرورة إدراك أن التطوير المستمر للتعليم عملية ضرورية جداً، لأن التعليم الجيد لا يمكن له أن يتوقف عند نقطة معينة، فهو أمر ذو طبيعة حراكية أزلية.