أماني محمد ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ لا أحد يعلم متى ستتخلص أرض الحضارات من هذه الفتن، وهذا الجهل، لتعود كما كانت دائماً مضيئة بذاكرتها وآثارها وحسها الإنساني المفعم بالوجود. ليس سهلاً أبداً أن تتدفق دماء القتلى في أي مكان، فالروح واحدة والشعور الإنساني يطغى حين يُخيّم الموت على المكان والزمان. ولا يختلف هذا الشعور بالأسى عندما ترى متحفاً يبلغ عمره آلاف السنوات يُدمر من قبل مجموعة من الجهلة والمجانين المهووسين بتحقيق كل ما تريده المؤامرة، سواء كانوا قفزات لها بوعي أو دون وعي، فلا شيء يمنعهم من كل هذه الكراهية للتاريخ. فالعراق الذي تحفل أرضه بآثار الحضارات، هذا البلد الأسطوري أنجب أبوالأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وخرج منه شعراء يقولون قصائد عذبة مفعمة بالتحدي والمشاعر. وبلاد الرافدين كانت طوال عهود سحيقة مطمعاً لقوى استعمارية، وهدفاً لأصناف متنوعة من الطغاة والمستعمرين الذين مروا على هذه الأرض. أرض العراق حبلى بالمستحيلات وبقصص الحضارة المضيئة كشمعة أضاءت ليل الجهل، يأتي اليوم أصحاب العتمة ليقتلعوا جذورها، ورواسخها التي أعطت للعراق عبقها ومذاقها المختلف، لذلك كان الغضب جارفاً يغلي عندما يتم تحطيم هذه الذاكرة وتحويلها إلى رمال، لأن فئة ضالة قررت هدم هذا التاريخ للأبد. لا تختلف «داعش» عن إيران، فكلاهما يكره العراق لأنه ببساطة يُعرّي عورة الطائفية، ويفنّد مزاعم تقول إنها الأفضل. وأعداء العراق يعلمون يقيناً أن العراق أفضل وأعمق وأشد حضوراً رغم كل مشاكله وأزماته السابقة والحالية. لماذا تكره إيران العراق؟ لاشي إلا لأن العراق يذكرها بضعفها ويجبرها على الاعتراف بأن العراق ينتصر، وأن أهله ليسوا أصحاب خذلان. جسارة العراق هي التي حولته إلى محط رحال الحضارات، وجعلت مكان يغني فيه الغريب ويجعله واحته الأمنة، ويصب في مخزونه الثقافي الكثير بما حفظ. ممكن أن ندرك حقد إيران وما تفعله في العراق، ومن ذات المنطلق نفهم غباء تنظيم «داعش» ومحاولاته لاستثارة العالم، ولفت الانتباه إلى أساليب لا إنسانية تستهدف الحضارة، ولا تضيف إلا مزيداً من الدماء والتوجس. كم كان مؤلماً هذا التحطيم للآثار، وهذا الهدم لذكريات تمكث من الاحتفاظ بذاتها. لها الله هذه الأرض مهد الإنسانية والحضارة والقصائد والأبطال، هذه الأرض تتعرض للإجرام، وتأبى إلا الصمود. لا أحد يعلم متى ستتخلص أرض الحضارات من هذه الفتن، وهذا الجهل، لتعود كما كانت دائماً مضيئة بذاكرتها وآثارها وحسها الإنساني المفعم بالوجود. فالآثار كالأرواح كلاهما متين، وكلاهما جوهر المكان والزمان، وكلاهما له ذات القيمة وذات الذكرى، فالذاكرة تحفظ الأثر مثلما تحفظ الوجوه العابرة طرقاتها. كاتبة إماراتية