«داعش».. كيف وُجدت؟
لن يلومك أحد إذا اعتقدت أن تنظيم «داعش» نبت من فراغ، فالتكتيكات الموغلة في قسوتها التي يوظفها، وأيضاً خطابه السريالي، يجعلانه يتفوق على باقي التنظيمات المتشددة ليظهر ربما وكأنه منفصل عنها تماماً، لكن مع ذلك تظهر الأبحاث التي اهتمت بظاهرة الإرهاب، وتحديداً بصعود «داعش»، أنها وليدة تطور تدريجي وبطيء ونبتة زرعت بذورها قبل سنوات، وإن لم تزهر أوراقها إلا مؤخراً. ومن تلك الأبحاث المهمة التي تتعقب أصول «داعش» وتطورها عبر الزمن، الورقة التي أعدها كول بونزيل، الخبير في شؤون «داعش» بجامعة برنستون، والذي يوضح من خلالها أحد المفاهيم القوية ودائمة الحضور لدى التنظيم متمثلة في فكرة «الخلافة». والمهم في ورقة الباحث بونزيل أن هناك ثلاثة توجهات كبرى في السياسة الخارجية الأميركية أدت على نحو غير مقصود إلى خلق الظروف المناسبة التي أفضت بدورها إلى ظهور تنظيم «داعش» في الشرق الأوسط وتجسيده للخلافة.
تشير ورقة بوزيل، والتي أعدها لمعهد «بروكينجز» بعنوان «من دولة على الورق إلى الخلافة: أيديولوجية الدولة الإسلامية»، إلى أن الحرب الأميركية في أفغانستان كان لها دور في التفكير بإنشاء «الخلافة»، فقد خضع المفهوم للنقاش بين قادة «القاعدة» في 2001 و2002 وتم التداول في أمر إقامتها بالعراق مع «أبو مصعب الزرقاوي»، وفي هذا السياق يقول الاستراتيجي العسكري في تنظيم «القاعدة»، سيف العدل، أنه ناقش الفكرة مع الزرقاوي عندما كانا يقيمان معاً في إيران إثر الغزو الأميركي لأفغانستان. وكما توضح ورقة بوزيل، لم يكن الزرقاوي في هذه المرحلة قد انضم إلى «القاعدة»، وليس واضحاً ما إذا كانت فكرة إقامة «الخلافة» قد جاءت من الزرقاوي نفسه أم من تنظيم «القاعدة»، لكن المهم -حسب بوزيل- أن الغزو الأميركي لأفغانستان ساعد على بلورة الفكرة في أذهان قادة «القاعدة»، وفيما شكلت أفغانستان حتى 2001 المكان المفضل لـ«الخلافة»، كانت الخسارة التي تعرضت لها «طالبان» وفقدانها أفغانستان المحرك الأول للبحث عن مكان آخر، وهو ما يتضح في مراسلات قادة «القاعدة» فيما بينهم التي تؤكد بحثهم عن مكان لإقامة دولة الخلافة إثر خسارة أفغانستان.
وفي حين كانت أفغانستان هي الشرارة التي قدحت فكرة البحث عن «الخلافة» كما تصورتها «القاعدة»، فإن حرباً أخرى قربت المفهوم أكثر إلى الواقع، حيث يوضح بونزيل، قائلا: «في 2001/2002 لم تكن فكرة الخلافة في العراق سوى طموح، إلا أنه وبعد الغزو الأميركي للعراق بدا للقاعدة أن الفكرة قابلة فعلا للتطبيق». فإثر الحرب الأميركية على العراق في مارس 2003 بدأ الزرقاوي يركز على هذا البلد ليعلن ولاءه لبن لادن ويصبح ممثلا رسمياً لتنظيمه في العراق. وبحلول 2006 بات الزرقاوي قريباً من تحقيق حلم «الخلافة» التي سبق أن ناقشها مع قادة آخرين، لكن المشروع توقف مؤقتاً بعد مقتل الزرقاوي، ليلتئم ما تبقى من عناصر «القاعدة» تحت مسمى آخر هو «الدولة الإسلامية في العراق» التي لم تستطع طيلة تلك السنوات اجتذاب أعداد كبيرة من السنّة وظلت في حالة كمون إلى غاية 2010 عندما كانت السجون الأميركية في العراق، وتحديداً سجن «بوكا»، تشهد امتزاجاً غريباً بين المتطرفين الدينيين وأعضاء سابقين في حزب «البعث»، مما سيشكل، حسب الباحث، النواة الأولى لتنظيم «داعش». وظلت الأمور على حالها إلى أن قادت عملية أخرى إلى انبثاق التنظيم وظهوره العلني. فقد كان لمقتل بن لادن أثر في تمرد فرع «القاعدة» في العراق بعد إعادة تسميته بتنظيم «الدولة الإسلامية» على قيادة أيمن الظواهري الذي لا يتمتع بنفس كاريزما بن دلان، ولم يسجل التنظيم عودته القوية إلى الساحة إلا في عام 2012، ثم في السنة التالية عندما توسع في الأراضي السورية، بل ذهب القائد الجديد للتنظيم، أبو بكر البغدادي، إلى الإعلان من طرف واحد عن ضم «جبهة النصرة» التي تمثل «القاعدة» في سوريا، إلى تنظيم «داعش»، الأمر الذي رفضته «النصرة». هذه الجرأة من قبل البغدادي يرجعها الباحث إلى قتل بن لادن على يد القوات الخاصة الأميركية، موضحاً ذلك بقوله: «أدى مقتل أسامة بن لادن في مايو 2011 إلى خلق فراغ سلطة في عالم الجهاد، استطاع أبوبكر البغدادي ملأه».
آدم تايلور: كاتب متخصص في الشؤون الدولية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»