عته الشيخوخة.. بداية الاهتمام الدولي
شهدت مدينة جنيف السويسرية، بداية هذا الأسبوع، انعقاد المؤتمر الوزاري الأول حول قضية عته الشيخوخة، والذي حمل عنوان: الحراك الدولي ضد عته الشيخوخة (Global Action Against Dementia)، تحت رعاية منظمة الصحة العالمية، وبدعم من وزارة الصحة في المملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية. ويأتي هذا المؤتمر، والذي حضره لفيف من وزراء الصحة في العديد من دول العالم، في الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات إلى إصابة 47.5 مليون شخص حالياً بعته الشيخوخة، مع إضافة 7.7 مليون حالة جديدة سنوياً لهذا الرقم. وفي ظل أن عته الشيخوخة، يعتبر من الأسباب الرئيسية والمهمة، للإعاقة الشديدة بين كبار السن، ولإجبارهم على الاعتماد على الآخرين، يحصد هذا الاضطراب الصحي ثمناً فادحاً على المستويات البدنية، والنفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، ليس فقط على المصابين به، وإنما على الأشخاص المنوطين برعايتهم، وعلى نظم الرعاية الصحية بوجه عام.
وهو ما حدى بالحكومة البريطانية للإعلان في نهاية المؤتمر الوزاري سابق الذكر، عن تخصيص 100 مليون دولار، لتمويل إنشاء صندوق خاص (Dementia Discovery Fund) لدعم الدراسات، والأبحاث في مجال عته الشيخوخة، وذلك بالتزامن مع إعلان عدد من شركات الأدوية العملاقة، عن التزامها، وتعهدها المبدئي، بالاستثمار في الأبحاث والدراسات الواعدة في مجال عته الشيخوخة، بالتعاون مع المؤسسات الخيرية والجهات غير الحكومية الناشطة في مثل هذا المجال، وهو ما لقى ترحيباً واسعاً، كنوع من الأساليب الخلاقة التي يمكنها في المستقبل أن تحقق اختراقات مهمة، على صعيد الوقاية، والتشخيص، والعلاج.
ويأتي هذا المؤتمر الأخير، بعد أن كانت الحكومة البريطانية قد انتهزت فترة رئاستها لمجموعة الثماني عام 2013، لتنظيم أول مؤتمر دولي عن عته الشيخوخة، عندما طلب رئيس الوزراء البريطاني «ديفيد كاميرون»، ووزير الصحة «جيرمي هنت»، من وزراء الصحة في الدول الثمان الأعضاء في هذه المجموعة، حضور الاجتماع المقرر لزعماء تلك الدول حينها.
ففي ظل التوقعات بزيادة عدد أفراد الجنس البشري، وتفاقم ظاهرة التشيخ بين المجتمعات المختلفة، يتوقع أيضاً أن يضع خرف الشيخوخة المزيد من الضغوط على خدمات وميزانيات نظم الرعاية الصحية في العديد من الدول، وهو ما يتوافق مع آراء الخبراء والعاملين في مجال علاج ورعاية المصابين بخرف الشيخوخة، بأنها تحد عالمي، ستزداد وطأته بمرور الوقت.
حيث يُقدر أن عته أو خرف الشيخوخة، يكلف اقتصاديات دول العالم حالياً، حوالي 600 مليار دولار (2.2 تريليون درهم)، حسب تقديرات عام 2010، وتتحمل دول أوروبا الغربية وأميركا الشمالية 70 في المئة من هذه التكلفة حالياً، وإنْ كان 60 في المئة من المصابين يقطنون حالياً في ما يعرف بالدول النامية.
ويُعرّف عته الشيخوخة على أنه: تدهور مطرد في القدرات العقلية الإدراكية، نتيجة مرض أو تلف في المخ. هذا التدهور يؤثر بشكل خاص على مناطق المخ المعنية بالذاكرة، والتركيز، واللغة، والقدرة على حل المشكلات، وغيرها من الوظائف العقلية العليا. وفي المراحل المتقدمة، يفقد المريض أيضاً إحساسه بالزمان، فيصبح عاجزاً عن معرفة أي يوم أو شهر أو سنة يعيش فيه حالياً، مع فقدان الإحساس بالمكان فيصبح عاجزاً عن إدراك مكانه، ويصبح أيضاً عاجزاً عن معرفة هويته.
وتجب التفرقة هنا بين عته الشيخوخة، وبين التدهور الطبيعي في الذاكرة، وفي التركيز، وغيرها من القدرات العقلية، المصاحب للتقدم في العمر وللشيخوخة الطبيعية. حيث إن التدهور المصاحب للتقدم في العمر، ليس على نفس القدر والدرجة المصاحبة للتدهور الناتج عن الإصابة بعته الشيخوخة، كما أن الشيخوخة الطبيعية لا تصاحب دائماً بالخرّف. كما يجب الانتباه إلى أن عته الشيخوخة ليس في الحقيقة مرض، وإنما هو في الحقيقة متلازمة، أو عرض لمرض أو اختلال يصيب المخ، ينتج عن أسباب متعددة، ويظهر في درجات وأشكال مختلفة. وأحيانا ما تتلاشى الحدود الفاصلة بين الأنواع المختلفة، ليصاب المريض حينها بأشكال مختلفة ومختلطة من العته.
وربما كان من أشهر أسباب الإصابة بعته الشيخوخة، هو مرض «الزهايمر»، والذي يعتبر أيضا من أكثر الأسباب انتشاراً، حيث يعتبر مسؤولاً عن 60 إلى 70 بالمئة من إجمالي حالات عته الشيخوخة. ومن الأسباب الأخرى الرئيسية خلف الإصابة بعته الشيخوخة، قصور الشرايين والتغذية الدموية لخلايا المخ، أو ترسب وتجمع نوعا خاصا من البروتينات داخل الخلايا العصبية، بالإضافة إلى مجموعة أخرى من الأمراض التي تصيب الفص الأمامي من المخ.