فشلت مواطنة عجوز تبلغ من العمر 75 عاماً وتعيش في رأس الخيمة، في إنقاذ بيتها وأسرتها من الضياع بعد أن وقعت رقبتها تحت سيف الديون البنكية المسلط على رقاب الكثيرين، وكل جريمة هذه المواطنة أنها "وافقت" فيما يبدو على أن يقوم زوج ابنتها برهن بيتها للبنك مقابل الحصول على قرض لتمويل نشاط تجاري، ثم توفي الرجل تاركاً أسرته في مهب الريح. هذه باختصار قصة مؤلمة نشرت في إحدى الصحف المحلية أمس، وهكذا تتواصل مأساة المواطنين مع الديون البنكية، والقضية برمتها تحتاج إلى معالجات فورية وشاملة تتضافر فيها جهود الجهات المعنية كافة، فالديون البنكية ملف معقد ومستفحل ولا يقتصر فقط على القروض الاستهلاكية، ولكنه طال أيضاً شريحة تسعى إلى تحسين ظروفها المعيشية عبر الحصول على قروض تجارية.
قضايا الديون والشيكات من دون رصيد في مقدمة الجرائم في رأس الخيمة، ومن الصعب أن نواصل اجترار الحديث حول ملف القروض وكأنه يتعلق فقط بشباب أو عائلات تقترض لمجرد السفر والسياحة، أو بسبب الإنفاق الزائد وغير ذلك من أسباب يعتقد الكثيرون أنها تقف وراء تفشي الظاهرة، إذ لا ينبغي أن نغفل أن هناك شريحة من المواطنين يقترضون لغرض الدخول في مشروعات تجارية. وسواء فشلت هذه المشروعات بسبب عدم دراية وخبرة بالتجارة، أو غير ذلك، فإن العجز عن سداد هذه النوعية من القروض ينبغي أن يعالج بطريقة مغايرة تراعى فيها دواعي الاقتراض وأيضاً مبررات العجز عن السداد، وتراعى كذلك ظروف الأسر والعائلات، فبعض البنوك تعاني الأمرين جراء هروب "هوامير" الاقتراض الوافدين، ولكنها "تستأسد" على عائلة قضى عائلها نحبه فتهددها بالطرد إلى الشارع!
صحيح أن أموال البنوك ليست مستباحة، وينبغي وضع أقصى الضوابط والإجراءات من أجل الحفاظ عليها، ولكن يفترض ألا ننسى بالمقابل أن البنوك ذاتها تقدم مغريات عديدة لإيقاع العميل أو بالأحرى الضحية - خصوصا إذا كان مواطنا- في فخ القروض الضخمة تارة من دون ضمانات كافية أو من خلال تقديم ضمانات ورهن عقارات يصعب التصرف فيها تارة أخرى. بالطبع قد تحل مشكلة هذه المواطنة العجوز بعد نشر قصتها في الصحف، ولكن ترى كم عدد الحالات المماثلة التي تعيش بيننا وتواجه مصيراً مشابها؟ وهل ننتظر أن تلجأ كل أسرة مهددة بالضياع إلى الصحف لتنشر قصتها وصورها لاستدرار عطف المعنيين ونحن ندرك أننا في مجتمع محافظ يصعب أن تلجأ فيه كل الأسر إلى هكذا حلول إلا إذا ضاقت بها السبل وأغلقت في وجهها الأبواب كافة؟ وهل نتحرك حتى نحفظ ماء وجه الكثيرين؟!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية