أطلقت قناة "الديسكفري" برنامجاً يظهر الوجه المظلم لمجموعة من السياسيين المشاهير"Altered Statemen" فيها عرفنا أن "كينيدي" كان يدخل العاهرات بالجملة من الباب الخلفي للبيت الأبيض، وأن "بوريس يلتسين" كان لا يستيقظ من فرط سكره، وأن قرار تدمير الشيشان كان تحت تأثير الفودكا. وأن "أنتوني إيدن" كان مدمناً على عقار "البنزدرين" واتخذ قرار مهاجمة السويس لوحده وهو تحت تأثير العقار. وأن "تشرشل" دعا الجنرالات لدراسة رش ألمانيا بالغازات السامة في ظروف الحرب العالمية الثانية. واليوم ينبش تراث وعظام "كولمبس" لوضعه في الصورة التاريخية الحقيقية، ونعرف أنه كان استعمارياً بغيضاً، ومجرماً في إبادة الشعوب، ولكن ضرب معه الحظ.
وتذكر مجلة "در شبيجل" الألمانية (الأعداد 25 ـ 26 2004) أن العلماء يحاولون العثور على بقايا سفنه قبالة ساحل بنما، ففي رحلته الأخيرة التي سماها الكبيرة "EL alto viaje" أكل الدود سفنه الأربعة ولم يفز بشيء ولم يكتشف الممر المائي بين الباسفيك والأطلسي، وعاد إلى أسبانيا خالي الوفاض ولم يستقبله أحد ومات بعدها بسنتين نكرة وكانت رحلته كارثة. ولكنها كانت ملحمة؛ فعندما وصل إلى "سانتو دومينغو" حرم عليه حاكم جزيرة أسبانيولا "نيكولاس دي أوفاندو" أن يطأ الجزيرة بقدمه فكتب من هناك والعاصفة تقعقع فوق رأسه:"أي إنسان هذا الذي لا يموت يأساً وكمداً في مثل هذا المناخ ونحن نبحث عن ملجأ فيحرم علينا دخول الأرض التي بذلت لها دمي وعرقي حتى كسبناها بإرادة الله إلى أسبانيا" وكان قد بعث إلى حاكم الجزيرة خبراً مفاده أن عاصفة مدمرة تلوح في الأفق، فسخر "أوفاندو" منه وقال لـلرسول: يبدو أن صاحبك كان بحاراً فأصبح نبيا! وما أن بارح الأسطول الذي يضم ثلاثين سفينة فخمة تحمل منهوبات الجزيرة فيها سفينة تضم كل ممتلكاته الشخصية الميناء حتى جاءهم موج كالجبال فغرقت للفور عشرون سفينة ومعها 500 بحار أسباني. ولم يصل من الأسطول إلى أسبانيا إلا سفينة واحدة هي سفينة "كولمبس" وضرب معه الحظ مرة أخرى. وتابع "كولمبس" رحلته الأخيرة في جو مرعب وبحر يغلي كالقدر لمدة 88 يوماً لم ير فيها شمساً أو نجوماً حتى وصل سواحل أميركا الوسطى. وأراد أن يعثر على ممر مائي يعبر منه من الأطلسي إلى الباسفيك "الهادي" وكان على مسافة أربعين ميلا حين رسا حذاء مصب نهر "شارجس" في برزخ "بنما" حيث ستفتح القناة بعد خمسة قرون. وفي رحلته هذه اكتشف هوندوراس ونيكاراغوا وكوستاريكا وبنما وكولومبيا. كان مجموع رحلات كولمبس أربع: اكتشف في الرحلة الأولى "سان سلفادور" وجزر "البهاماس" و"كوبا" و"هايتي" الحالية وكانت قسماً من الجزيرة التي سميت "أسبانيولا" تيمناً بأسبانيا. واستغرقت 193 يوماً. وكتب كولمبس في رحلته الأولى ملاحظة مشؤومة في مذكراته عن السكان الأصليين الذين وصفهم المؤرخ الأميركي "ديورانت" في سفره "قصة الحضارة": استقبلهم المتوحشون الذين سيستعبدون لاحقاً بدماثة المتحضرين... "إن هؤلاء الناس غير مسلحين ويمكن لفرد منا أن يلحق الهزيمة بمئة منهم". وفي رحلته الثانية بعد أن اتفق مع الممولين في أسبانيا على تجارة العبيد قام باستكشاف بقية جزر بحر الكاريبي فأسس أول مستعمرة في "سانتو دومينجو" في بقية الجزيرة والتي هي حالياً جمهورية الدومينكيان. وأضاف إليها اكتشاف "جمايكا" و"بورتو ريكو". ومن غرائب ما حدث في الرحلة الثانية أنه بحث عن أربعين رجلا تركهم في ضيافة السكان الودعاء مع رحلته الأولى، ليكتشف أنهم استولوا على نساء وأموال السكان الأصليين واستعبدوهم وتنازعوا فأفنوا بعضهم بعضاً ومن بقي على قيد الحياة انتقم منهم السكان الأصليون فأوردوهم مورد الحمام. ولو قضى الهنود على "كولمبس" فلم يرجع مخبر لتغير مسار الجنس البشري. أما مصير سكان جزر "الباهاماس" المقدرين بخمسين ألفاً من شعب "التاينو" فقد أبيدوا جميعاً، ويذكر "تزيفيتان تودوروف" في كتابه "مسألة الآخر":"أن مليونين من شعوب الكاريبي وثمانين مليوناً من شعوب الأميركيتين تم إفناؤهم بالبنادق والمدافع والجدري فهذا هو الوجه الآخر للفتح المبين".