«سواراج» تحدٍ جديد لحكومة «مودي»
بين عامي 2004 و2014، حكم حزب «المؤتمر الوطني» مع أحزاب متحالفة الهند لفترتي ولاية كل واحدة منها مدتها خمس سنوات. وفي فترة الولاية الأولى حقق حكم الحزب الرخاء لشعب الهند وفتح عدداً من القطاعات وحققت البلاد نمواً اقتصادياً غير مسبوق. لكن فترة الولاية الثانية لطخها عدد من الفضائح واتهامات بالفساد بسبب سياسة الائتلافات. واتهم عدد كبير من الشركاء الأصغر للحزب في الحكم بالمحسوبية وتقاضي الرشى مقابل منح تعاقدات بمئات الملايين من الدولارات.
والعام الماضي ألحق حزب «بهاراتيا جاناتا» الهزيمة بحزب «المؤتمر» وتزعم ائتلافاً حكومياً ووعد الناخبين بأن يتصدى للفساد ويستعيد الأموال من البنوك الأجنبية ويدير البلاد بشفافية. لكن بعد عام واحد فقط في السلطة يواجه حزب «بهاراتيا جاناتا» حالياً أول التحديات. فوزيرة الخارجية «سوشما سواراج» تواجه مزاعم بعدم ملاءمة تقديمها المساعدة سراً لرجل كان يخضع لتحقيقات من وكالات الأمن الهندية ليهرب إلى بريطانيا. والسيدة «سواراج»، التي تعتبر واحدة من أكثر الوزراء كفاءة في الحكومة الحالية تدخلت لصالح رجل أعمال هندي يدعى «لاليت مودي»، الذي أُلغي جواز سفره الهندي بعد أن فر من الهند بعد تحقيقات بشأن انتهاك قانون إدارة الصرف الأجنبي.
والسيدة «سوشما سواراج» لها ابنة محامية كانت تدافع عن رجل الأعمال الهندي في المحاكم. وأبلغت الوزيرة الحكومة البريطانية أن الهند لن تعارض إذا أعطت بريطانيا رجل الأعمال الهندي وثائق سفر للذهاب إلى البرتغال لزيارة زوجته. ويخضع تصرفها لتدقيق شعبي وأثار أسئلة بشأن عدم ملاءمة أن تتدخل وزيرة الخارجية من أجل رجل فر من الهند في غمرة تحقيقات بينما جواز سفره مصادر. وأثبتت المعلومات التي جرى الكشف عنها أنها محرجة لحكومة «مودي» التي جعلت من التصدي للفساد قضية أساسية في برنامجها للوصول إلى السلطة. ومضى حزب «المؤتمر» خطوة أبعد، واتهم مباشرة رئيس الوزراء «ناريندرا مودي» بالتواطؤ قائلاً: إن الوزيرة في حكومته ما كانت لتتجرأ على مفاتحة الحكومة البريطانية دون موافقته. وهذه القصة برمتها تخلق تحدياً كبيراً لحكومة «مودي»، التي تدافع بضراوة عن عمل وزيرة الخارجية، لكن من المحتمل أن تشوه صورة حكومته. والخطر يتمثل بالنسبة للسيد «مودي» في أن القضية وصلت أعتاب بابه.
وفي الوقت الذي يدخل فيه «مودي» العام الثاني من فترة الولاية التي تستمر خمس سنوات كرئيس للوزراء، يحتاج إلى أن يبدأ في السير قدماً في تحقيق وعوده التي قطعها على نفسه مثل المضي قدماً في مسعى دعم الصناعة في حملته التي شعارها «اصنع في الهند» ووعود أخرى. وبينما لم تتغير مشكلات التضخم وعدم استقرار العملة لم تتغير فان إدخال الاستثمارات إلى البلاد وحفز النمو مازال يمثل تحديات محورية لحكومته.
والقصة الحالية قد تزعزع حتى قائمة أولوياته الاقتصادية. وهذا لأن حزب «المؤتمر» الموجود حالياً في صفوف المعارضة سيستغل الضجيج الحالي في وسائل الإعلام بشأن عمل وزيرة الخارجية لمحاصرة الحكومة أثناء الموسم البرلماني المقبل. ويتطلع «مودي» للمضي قدماً في إجراء إصلاحات اقتصادية كبيرة مثل إصلاح قوانين امتلاك الأراضي وفرض ضرائب على البضائع والخدمات وجميعها يتطلب موافقة برلمانية. والضجيج في البرلمان بسبب هذه الفضيحة قد يؤدي إلى تأجيل التشريعات المحورية التي يريد إقرارها.
وسياسياً أيضاً، يواجه حزب «بهاراتيا جاناتا» تحدياً في ولاية «بيهار» التي ستُجري انتخابات في وقت لاحق من العام. وحاول حزب «مودي» توسيع قاعدته على امتداد البلاد لكنه يحتاج إلى الفوز بانتخابات الولاية لدعم قوته في الغرفة الأعلى من البرلمان الهندي. وتقرر انتخابات الولايات قوة الحزب في الغرفة الأعلى التي لا يمتلك فيها «بهاراتيا جاناتا» أغلبية ويواجه مشكلات في المضي قدماً في إقرار التشريعات الرئيسية. وفي ولاية «بيهار» اتحد ائتلاف من الأحزاب الأقليمية الصغيرة وفرضوا تحدياً كبيراً على حزب «مودي».
وهذا ليس التحدي الوحيد الذي يواجه حكومة «مودي»، والتحدي الآخر في دلهي التي خسر فيها «بهاراتيا جاناتا» الانتخابات أمام حزب «عام آدمي»، الذي ظهر حديثاً. وظهر صراع على السلطة بين حزبي «عام آدمي» و«بهاراتيا جاناتا» بشأن التدخل في أعمال حكومة دلهي. والصراع الداخلي بين الولاية والحكومة الاتحادية ليس له انعكاس طيب على أي من الحكومتين. وكل هذه القضايا ستمثل بالتأكيد تحدياً ل«مودي»، الذي لا يتحمل أن يُنظر إليه باعتباره سياسياً يصارع نفس القضايا التي تورط فيها سلفه.
مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي