من أجل تنحية مشروع القرار الفرنسي، الذي يهدف إلى التوصل لمخطط سلام بين إسرائيل وفلسطين في غضون مهلة ثمانية عشر شهراً، ما فتئ الزعماء الإسرائيليون يقولون ويكررون أنهم لن يخضعوا للضغوط الدولية، وأن تسوية النزاع أمر منوط بطرفي النزاع فقط. وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قبل زيارة وزير الخارجية الفرنسي "لوران فابيوس": "إن الطريقة الوحيدة لتوصل لاتفاق هي عبر مفاوضات ثنائية ونحن نرفض بشدة أي محاولة تهدف إلى فرض إملاءات دولية علينا". ثم قال خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده بمعية لوران فابيوس: "السيد وزيرالخارجية، إن السلام لن يأتي إلا من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، ومن دون شروط مسبقة. ولن يأتي من خلال قرارات الأمم المتحدة التي تفرض من الخارج". وللوهلة الأولى، يبدو هذا الجواب مقنعاً. فالاتفاق، أي اتفاق، يكون قوياً ودائماً عندما يتم التوصل إليه من قبل الأطراف المتنازعة نفسها. ولكن هذا الكلام في الواقع هو مجرد ستار هدفه التغطية على غياب الرغبة في السلام. فمنذ أن قررت منظمة التحرير الفلسطينية في نهاية عقد الثمانينيات التخلي عن الخيار العسكري واختارت السبل الدبلوماسية بديلاً، لم تفض المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية المختلفة إلى أي شيء. ولم تثمر المخططات والمقترحات المتعددة، سواء تلك التي قبلت من قبل الأطراف أم لم تقبل، أي شيء. بل إنه بإمكان المرء أن يقول إن وضع الفلسطينيين ازداد تدهورا منذ بداية عقد التسعينيات مقارنة مع ما كان عليه خلال توقيع اتفاقات أوسلو. وغني عن البيان أن غياب أفق سياسي إنما يقوّي موقف من يدعون إلى العنف سبيلاً ويمنحهم ذخيرة وحججاً. وثمة سببان يفسران عدم التوصل لاتفاق سلام. أولاً، غياب رغبة لدى النظام الإسرائيلي في التوصل لاتفاق عادل ودائم منذ اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين. وحسب كلمات نتانياهو نفسه، الذي كان أعلن قبل الانتخابات أنه لا يريد الاعتراف بدولة فلسطينية، فإن المفاوضات هي وسيلة بسيطة لكسب الوقت. وفي الأثناء، تتواصل المفاوضات والاحتلال والقمع. وبالطبع، فإننا يمكن أن نتفاوض إلى ما لا نهاية. وثانياً، اختلال توازن القوة: فهناك طرف قوي وطرف ضعيف، وطرف يحتل بلداً وبلد محتلة أراضيه. وعندما ننظر إلى الأمثلة الخارجية، نلاحظ أن منح أطراف النزاع المسؤولية الحصرية لإنهاء النزاع، بدون تدخل خارجي، لا يمكن أن يفضي إلى حل سلمي وسريع، ولاسيما عندما يكون ميزان القوة غير متكافئ. والغربيون عادة لا يقبلون هذه الحجة. ولو اضطررنا لتطبيق طريقة نتانياهو في نزاعات أخرى، بما في ذلك النزاعات المتواصلة منذ زمن أقصر بكثير من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، لكنا وصلنا إلى نتائج غريبة. وعلى سبيل المثال، فقد كان بإمكان الغربيين أن يقولوا إن المواجهة بين أوكرانيا وروسيا مسألة ثنائية، وإنه من الأفضل ألا يتدخل فيها المجتمع الدولي من أجل السماح لطرفي النزاع بإيجاد حل. ولكن ذلك ليس هو الطريق الذي اختاروه. وبالمثل، لم يترك الغربيون الصرب وسكان كوسوفو (على الرغم من أنهم كانوا يعترفون بسيادة يوغسلافيا على كوسوفو) ليحلوا نزاعهم في ما بينهم، بل إنهم ذهبوا إلى حد قصف يوغسلافيا والاعتراف باستقلال كوسوفو، وهو ما يخالف مواقفهم الأولى. كما أنهم لم يتركوا الصرب والكروات، أو الصرب والبوسنيين، ليحلوا نزاعهم بطريقة ثنائية في عقد التسعينيات. واللافت هنا أن الأشخاص أنفسهم الذين يحثون اليوم على عدم التدخل الخارجي، بدعوى عدم التشويش على سير المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية، كانوا الأعلى صوتاً في المطالبة بتدخل عسكري وقتئذ. وخلاصة القول إن رفض تدخل دولي هو في هذه الحالة ذريعة لتمديد النزاع أكثر منه لسعي صادق إلى تسويته. وفي غياب وضع عملية سياسية حقيقية، فإن السؤال لا يتعلق بمعرفة ما إن كانت المواجهات العنيفة ستُستأنف أم لا، وإنما بمتى ستُستأنف.