تسعى دول الخليج العربية إلى مكافحة الإرهاب بالتركيز على المفهوم الأمني لردع التطرف وملاحقة عناصره، كما ركزت على إعادة النظر في مناهج التعليم خصوصاً مواد التربية الإسلامية بحذف ما يشوبها مما له علاقة بالتعصب والتطرف الديني.. كما ركزت أيضاً على مراقبة المساجد ودور العبادة وملاحقة الأيمة الذين يحملون أفكار التطرف والغلو في الدين. كل تلك الإجراءات، الأمنية منها والتعليمية ومراقبة دور العبادة، أمور هامة وضرورية، لكن بعض دول الخليج التي ابتليت بعمليات إرهابية مباغتة مؤخراً تتحمل جزءاً من المسؤولية؛ لأنها تعاملت مع تيارات الإسلام السياسي.. لكسب ولائها ومحاولة احتوائها، بافتراض أنها تيارات لديها قواعد شعبية لا يستهان بها. بل إن بعض أقطاب الإسلام السياسي تم توزيرهم في الكويت، ولايزال بعض «الإخوان» والسلف لديهم مناصب وزارية هناك. ويأتي هذا التراخي مع جماعات الإسلام السياسي من خلال تركها تعمل بحرية عبر جمعيات النفع العام، فجمعية «الإصلاح الاجتماعي» الكويتية تمثل «الإخوان المسلمين» وجمعية «التراث» الكويتية هي الممثل المؤسسي للحركة السلفية، وجمعية «الثقافة الإسلامية» تمثل التنظيمات السياسية الشيعية. نحن لا نختلف حول حق الجمعيات في العمل المشروع في بلد ديمقراطي مثل الكويت، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في انبثاق عشرات بل مئات الجمعيات الخيرية الإسلامية غير المرخصة، والتي تقوم بجمع الأموال من زكوات وهبات وتبرعات بحجة مساعدة فقراء المسلمين في كل بقاع المعمورة! الوضع في السعودية لا يختلف كثيراً عنه الكويت. لا أعرف كم عدد الجمعيات الخيرية الإسلامية في السعودية، وهل تتم مراقبة الأموال التي تقوم بجمعها هناك وأين تذهب هذه الأموال؟ لكن في مقابلة صريحة وواضحة مع الأمير تركي الفيصل على قناة «العربية»، أجراها المذيع تركي الدخيل، اشتكى الأمير من وجود معسكرات ومخيمات وغيرها لتجنيد الشباب السعودي تحت مظلة الدروس الدينية والوعظ الديني.. كما ذكر أن المستشفيات والمدارس والجامعات في السعودية تفتح أبوابها لمشايخ الدين من الشباب لإلقاء محاضراتهم الدينية. وتساءل الأمير تركي: لماذا المحاضرات الدينية في المستشفيات؟ وما هي مواضيعها؟ وما الرسالة التي يريدون توصيلها؟ ومن هم جمهور هذه المحاضرات؛ هل هم المرضى أم الطاقم الطبي؟ واستغرب الأمير تركي الفيصل من أن مَن يلقون المحاضرات الدينية هم شباب صغار يرون أنفسهم مشايخ دين ويحملون أفكاراً تختلف عن مشايخ الدين السعوديين ويسيئون لهم ويحملون فكر التطرف، وتعجَّب الأمير كيف أن طلاب المدارس يعرفون أسامة بن لادن أكثر من معرفتهم بقياداتهم السياسية. لماذا تراخت بعض الدول الخليجية مع جماعات الإسلام السياسي؟ أتصور أن السبب هو اعتقاد بعض الدول بأنها تستطيع احتواء بعض الجماعات الدينية عبر إطلاق الحرية لها في مجال العمل الديني، دون أن يخطر ببالها أن هذه الجماعات مسيسة ولديها أجندة سياسية تسعى للإطاحة بالأنظمة والدول، والدليل على ذلك ما يحدث الآن من عمليات إرهابية في دور العبادة في السعودية والكويت. هل ستغير دول الخليج من نهجها القديم؟ هذا يعتمد على مدى جدية هذه الدول في محاربة التطرف والإرهاب. ـ ـ ـ ـ ـ أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت