عُبَّاد المناسبات
د.خليفة علي السويدي
د. خليفة علي السويدي
لسنا عُبَّاد رمضان، لكننا نستثمر نفحات ربنا للتقرب في مواسم القربات، ونجتهد بعد رمضان في أداء الأركان والتوبة من الآثام وكل عام وأنتم إلى الله أقرب.
د. خليفة علي السويدي
كل عام وأنتم بخير، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.. رمضان كغيره من أيام الله ولى حاملاً معه أجمل اللحظات، وقد رصدت ملائكة الرحمن في الصحف تنافس الناس في الطاعات، وهمتهم العالية التي جعلتهم لا ينامون من الليل إلا قليلاً، فهم في عبادة تتخللها لحظات استراحة صيام في النهار وقيام في الليل، يتدارسون كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار لعلهم ينالون رضى خالقهم سبحانه وتعالى.
ومظاهر الالتزام والطاعات والقُربات لا يمكن حصرها في هذا المقال، لكن ماذا جرى ليلة العيد؟! لن أتحدث في مقالي عن من رددَ مع الشاعر:
رمضان ولى هاتها يا ساقي.. مشتاقة تسعى إلى مشتاق..فهولاء لهم من يرشدهم عن غيهم فكلهم يدركون خطورة موقفهم، لكن إيمانهم الذي اكتسبوه في رمضان سيبقى في قلوبهم. وفي يوم من الأيام ستقربهم قلوبهم من ربهم، حيث حقيقة سعادتهم، في هذا المقال سأعالج من ناحية نفسية، المشاعر التي نمر بها جميعاً بعد رمضان، فهناك فتور بعد عزيمة، وكسل بعد نشاط. كانت نفوسنا تسابقنا إلى طاعة ربنا، واليوم نجد في جوانبها ما يشغلها عن تلك الطاعات، فهل هذا الأمر طبيعي، أم أنها مؤشر على ردة بعد إيمان، حتى صنفهم أحد الوعاظ بعبّاد رمضان!
من درس النفس البشرية في مدارجها نحو رب البرية يدرك أن للنفوس إقبالاً وإدباراً في ما يرتبط بالطاعات. وكانت الوصية أن النفس البشرية إنْ كانت في لحظات الإقبال يكثر الإنسان عندها من نوافل الأعمال، إضافة إلى ما فرض ربنا الرحمن. أما إنْ كانت في إدبار وعدم تهيؤ للطاعة وضعف في العزيمة، يلزم الإنسان نفسه بالفرائض التي كتبها الله عليه، والتي تمثل الحد الأدنى من الطاعات.
كمسلمين ندرك أن الدخول في دائرة الرحمن سبحانه وتعالى يقتضي التصديق بأركان الإيمان التي يعرفها كل مسلم وتطبيق أركان الإسلام الخمسة التي يسقط بعضها إن لم يتمكن المسلم من أدائها، فالحج ركن من أركان الإسلام بشرط الاستطاعة، والزكاة واجبة على من ملك النصاب، فإن كان هناك إيمان بأركان الإيمان وأداء الواجبات، العمل على الابتعاد عن المحرمات. والاستغفار منها إن تورط الإنسان في بعضها، فإن هذا المسلم يعيش أجمل سمة في هذا الدين وهي الواقعية المثالية. فالإسلام دين واقع لأنه يراعي سمات الإنسان هذا المخلوق الضعيف في نفسه التي تغلبها الشهوات بين الفينة والأخرى، لذلك فتح الله له باب التوبة، فمن أرجى الآيات في كتاب الله: «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا».
فربنا يعلم أننا خلقنا في ضعف فجاء منهج الإسلام يراعي هذا الأمر في أنفسنا، فشرع لنا من العبادات ما نطيق وشجع منهج التيسير، وقدوتنا في هذا نبينا عليه الصلاة والسلام، ففي صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن الرسول عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما مالم يكن إثماً، كل ماسبق يقرب لنا مشهد واقعية هذا الدين، لكن هذه الواقعية مرتبطة بالمثالية التي تجعل الإنسان يتسابق مع نفسه للوصول إلى أعلى درجات الجنة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، فمن جهة هو دين واقعي يراعي الطبيعة البشرية المتقلبة، وفي الوقت نفسه يشجع الإنسان على الارتقاء في مدارج السالكين نحو رب العالمين. خلاصة المقال إننا لسنا عُبَّاد رمضان، لكننا نستثمر نفحات ربنا للتقرب في مواسم القربات، ونجتهد بعد رمضان في أداء الأركان والتوبة من الآثام وكل عام وأنتم إلى الله أقرب.
أكاديمي إماراتي