لا للكراهية.. لا للتمييز
هنيئاً لدولة الإمارات العربية المتحدة بإصدار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة جميع أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير وتفصيلاً ما يحظره القانون من عدم الإساءة إلى الذات الإلهية أو الأديان أو الأنبياء أو الرسل أو الكتب السماوية أو دور العبادة وفقا لأحكام هذا القانون أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، أو الإتيان بقول أو عمل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات من خلال نشره على شبكة المعلومات أو شبكات الاتصالات أو المواقع الإلكترونية أو المواد الصناعية أو وسائل تقنية المعلومات أو أية وسيلة من الوسائل المقروءة أو المسموعة أو المرئية وذلك بمختلف طرق التعبير كالقول أو الكتابة، وتفاصيل عديدة أخرى لا يسعنا ذكرها في هذه السطور، وهي تعد مفخرة قانونية تلجم حجة من يتحدثون عن حقوق الإنسان والحريات فنحن نعلنها للعالم أننا دولة قانون والحريات التي لا تنتهك حريات الآخرين وتحافظ على كرامة الإنسان قبل كل شيء بعيداً عن الضجيج الإعلامي والاجندات المخملية التي لا تلامس الواقع.
فقد سئمنا خطاب وممارسات الكراهية والتمييز التي يمارسها البعض دون استحياء، ولدرجة تصل إلى التحريض على القتل وتمويل الخراب والدمار، وسلب البشر حقهم في العيش الآمن. ولكننا واقعيون، ولا نعيش في عالم الأحلام والمثاليات، ونعرف تماماً واقع الشعوب والثقافات، حيث يمارس الجميع التمييز والكراهية بصور مختلفة، فبعضها ممارسة عنصرية، وتمييز وازدراء للأديان والثقافات والأعراق، بعضها يمر دون حساب، والآخر يجعلون منه مادة دسمة لحرب إعلامية خبيثة، هي بحد ذاتها دعوة للكراهية والتمييز.
وقد حان الوقت أن يتعلموا منا التسامح والتعايش السلمي واحترام وقبول الآخر، دون أن يكون للدين والعرق والثقافة، أي دور في صنع القرار. والقانون فقط هو سيد الموقف، فالعنف لا يتوقف على إسالة الدماء والقتل، ونتمنى أن ترافق هذا القانون استراتيجية وبرامج وطنية شاملة طويلة الأمد والمفعول لكيفية المعالجة الفعالة لمسألة التحريض على الكراهية، واستنباط مسار واضح لتحديد موضع الخط الفاصل بين حرية التعبير والتحريض في الخطاب والفعل والإيماءات والتعابير المؤدية لتمييز أو كراهية، والعمل على نشر ثقافة القبول والتسامح كسلوك حضاري يُمارس تلقائياً من جميع السكان.
إذاً هي المعادلة المعقدة بين حرية الكلام والحماية من التحريض، وحتى نجعل الأمر في غاية البساطة، فإن حرية التعبير ينبغي أن تكون شبه مطلقة في ما عدا التهكم أو التحريض أو الهجوم أو الإساءة للآخرين وثقافتهم ودينهم وعرقهم وتقاليدهم وعاداتهم وأعرافهم، أو كل ما يسبب أو يقود أو يساهم في جريمة أو جناية بأي وجه من الوجوه، وبأي درجة كانت، ويؤخذ في الاعتبار سياق التحريض على الكراهية، والمخاطِب، والنية، والمحتوى، ومدى الخطاب، ورجحان إحداث الضرر، ولا يستثنى من ذلك الكراهية بسبب التوجه الجنسي للضحية، والهوية الثقافية ونوع الجنس وسواء تم تصنيفه كجرائم بيضاء أو غير ذلك، فهي مسيئة للبشرية، وحتى وإنّ كانت عبارة عن نكات أو سخرية بحق المختلف، أو الآخر، أو لم تكن متصلة مع أي نوع من العمل الإجرامي. فالخطاب الذي ينبذ المختلف في حد ذاته جريمة، ويجب أن يعاقب عليها القانون، وخاصة في مجال الخطاب الديني والسياسي، لما في ذلك من خطورة تتمثل في دغدغة المشاعر والتلاعب بالعواطف قبل تحكيم العقل والمنطق السليم الذي لا يقصي الآخر ولا يحيده، ولا يحكم عليه أحكاماً مسبقة تسيرها الأهواء ليجعله خصماً تجب معاداته وعدم التعامل معه. فلو أراد الله ذلك لخلق نوعاً واحداً من البشر متشابهاً في كل شيء، ولكانت هناك ديانة واحدة جاءت مع أبونا آدم، ولم تكن الدنيا دار اختبار، ولكن فرض خيار ولذلك لا حرية في النيل من الذات الإلهية أو الطعن فيها أو المساس بها أو الإساءة إليها أو التطاول على أحد الأنبياء أو الرسل أو زوجاتهم أو آلهم أو صحابتهم أو السخرية منهم أو المساس بهم أو الإساءة إليهم بإحدى طرق التعبير أو غيرها من الصور الأخرى، أو باستخدام أي من الوسائل. فالقانون الإماراتي جاء متكاملاً كنموذج حضاري قد يخضع للتعديل والاضافة مستقبلاً وفق مقتضيات الوقت والظروف ليكون القانون الأكثر شمولية في المجال على مستوى العالم.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات