من المعروف أن إبداعات الشعراء والروائيين والعلماء تُنجز أثناء الخلوات عندما يكون الذهن صافياً، حيث تتدفق الأفكار والرؤى وكأنها نهر جار بعيداً عن ضجيج المدن، هكذا أنجز على سبيل المثال الروائي العالمي ليو توليستوي معظم إبداعاته، بما في ذلك رواية «الحرب والسلام» في منزله الريفي الهادئ والجميل. وإذا كانت هذه الخلوات أسلوبا متبعا عند هؤلاء المبدعين، فإن خلوة القيادة لاتخاذ قرارات مستقبلية في المنطقة، هي ابتكار إماراتي بامتياز، حيث وجهت الخلوة الأخيرة بـ«باب الشمس» رسائل مهمة بثت روح الثقة في المستقبل بين المواطنين، ووضعت الكثير من النقاط على الحروف، ففي الآونة الأخيرة، وبعد انهيار أسعار النفط كثر الحديث، وبالأخص في الإعلام الغربي، بأنهم سيبتعدون عن النفط، كمصدر للطاقة باتجاه مصادر الطاقة البديلة. ومع أن هذا التحول بحاجة إلى وقت طويل، إلا أن الإجابة الإماراتية جاءت سريعة من خلال خلوة القيادة قائلة حسناً فليكن ذلك، فإن هذا الأمر لا يخيفنا، نحن أيضاً لدينا القدرة والرؤية لبناء البديل وسوف نسعى إليه ضمن خطط واستراتيجيات واضحة المعالم، كما أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قائلا ً«توجهاتنا الاستراتيجية الجديدة أصبحت واضحة، نبشر شعبنا بأن القادم أفضل». تاريخ الإمارات يوضح أيضاً بأنها قادرة على تحقيق ذلك بفضل نموذجها التنموي الذي أضحى نموذجاً عالمياً يُعتد به، إذ قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في هذا الصدد: «نسعى لتكون الإمارات نموذجاً ناجحاً في تحويل اقتصادها من الاعتماد على الموارد الطبيعية إلى الاعتماد على مهارات وعقول أبنائها، سنواصل استشراف المستقبل والتخطيط له». يعبر هذا القول عن رؤية واضحة للسير نحو المستقبل بالاعتماد على العلم والابتكار ضمن توجه لبناء اقتصاد المعرفة من خلال إعداد وتأهيل المواطنين وتطوير قدراتهم، وتوفير المتطلبات اللازمة لهم للمساهمة الفعالة لإنجاح هذا التوجه التنموي المهم لمستقبل الدولة، حيث جاء الرد الشعبي سريعاً أيضاً من خلال إعلان مجموعة من رجال الأعمال الإماراتيين بإطلاق مبادرة مجتمعية تجسد تلاحم الجميع مع توجهات القيادة لتحقيق التنمية المستدامة. وهذه إحدى ميزات التجربة التنموية الإماراتية التي أشار إليها سمو الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني، نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي قائلا ً:«الخلوة جاءت لتعبر عن التجربة الإماراتية الفريدة في مجال التنمية والبناء»، كما نوه سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية إلى «إطلاق شمس الازدهار والابتكار بباب الشمس». نتائج هذه الخلوة ستتضح معالمها قريباً من خلال القرارات والتوجهات التي ستعلن، والتي سترسم خارطة طريق جديدة للبناء الإماراتي في المرحلة المقبلة، وستكون في الوقت نفسه دافعاً لدول مجلس التعاون الخليجي بحكم الترابط والتعاون والتنسيق من خلال السوق الخليجية المشتركة. الحقيقة أن القرارات الإماراتية تملك مصداقية كبيرة، فالتجربة السابقة بينت أن القرارات المتخذة تجد طريقها للتنفيذ دون عراقيل بمتابعة من قيادة الدولة ومؤسساتها المعنية، مما يؤكد جدية هذا التوجه الذي ستترتب عليه نتائج مهمة ستؤدي إلى المحافظة على زخم النمو الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو جيدة وتوفير حياة كريمة للمواطنين والمقيمين على أرض الدولة. قناعتنا هذه لا تأتي من فراغ، وإنما نابعة من الأسس التي قامت عليها الدولة بقيادة مؤسسها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، إذ إن البناء على هذه الأسس الصلبة لابد أن يتمخض عنه بناء قوي ومتماسك يملك مقومات الاستمرار والنمو بالنفط وبغيره، إذن الثقة في قدرات الوطن وفي مستقبله، هي عنوان هذه الخلوة التي سنرى نتائجها سريعاً بفضل الرؤية المستقبلية للقيادة والتفاف الشعب حول قراراتها والمساهمة في تنفيذها.