شفرة عقيدة ترامب
يسعى العالم بأسره جاهداً، لفك شفرة الرؤية العالمية، والمبادئ الهادية التي سيطبقها «دونالد ترامب»، إذا ما قدر له أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة. ربما لا تكون العقيدة سمة بارزة من سمات حملة ترامب، إلا أن مستشاريه يقولون إن لديه بالفعل عقيدة تبين مواقفه، بشأن مسائل السياسة الخارجية، والأمن القومي.
بعض خبراء السياسة الخارجية الكبار، مقتنعون بأن ترامب يطلق تصريحاته المتعلقة بالسياسة الخارجية جزافاً وبلا تدقيق، ويقدم إجابات تبدو فصيحة، لكنها متسرعة لأسئلة خطيرة، بشكل يدعو خبراء الأمن القومي الجمهوريين، الذين يقدمون المشورة لمرشحين آخرين إلى الاعتقاد، بأنه لم يسع للحصول على نصيحة مستشاريه قبل الإدلاء بتصريحاته الاستفزازية، مثل تلك التي هاجم فيها الصين والسعودية.
يرد سام كلوفيس، كبير مستشاري ترامب السياسيين على ذلك بقوله: «الفكرة القائلة بأن ترامب ليس لديه مستشارون، فكرة خاطئة بالكامل، فالحقيقة هي أن لدينا الكثير من الأشخاص الأذكياء حولنا، والكثير من الأشخاص الأذكياء الذين يساعدوننا، ولدينا الكثير غير ذلك، ربما أكثر مما يعتقد الخبراء، ويعتقد خصومنا». وقال «كلوفيس»، وهو كولونيل قوات جوية متقاعد ومرشح سابق لمجلس الشيوخ عن ولاية إيوا، إنه يقود فريقاً سياسياً مكوناً من شخصين، وإنهم يعملون مع مدير الحملة «كوري ليواندوفسكي» للوصل بين ترامب والخبراء والمسؤولين السابقين، بشكل مستمر.
ورغم صمت الحملة بشأن أسماء العاملين فيها، فالمؤكد أن هناك خبراء آخرين يقومون بإجراء اتصالات وتفاعلات منتظمة مع ترامب، منهم رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية السابق «مايكل فلين».
كما علمت من مصادر في الحملة، أن ترامب تحدث أيضاً مع المؤرخ المثير للجدل «دانييل بايبس»، ومبعوث إسرائيل الحالي للأمم المتحدة «داني دانون»، بالإضافة لأشخاص آخرين، وأخبرتني تلك المصادر أن تصريحات ترامب بشأن السياسة الخارجية ليست مرتجلة، بل مخطط لها منذ شهور، فمثلاً عندما أعلن عن فكرة منع المسلمين من دخول أميركا، بدا الأمر وكأن التصريح متعلق بالهجوم الذي وقع في سان بيرناردينو آنذاك، والحقيقة أن ترامب كان قد خطط لإعلان تلك السياسة قبل وقوع الهجوم بفترة طويلة.
يدعي مستشارو ترامب أيضاً، أن مقترحاته العديدة بشأن مسائل وقضايا السياسة الخارجية، والتي تشمل التفاوض حول معاهدة التحالف بين الولايات المتحدة واليابان، وتعهيد المشكلة السورية للروس، تندرج جميعها في ثلاث مجموعات سهلة الفهم من «المبادئ المنظمة» التي تشكل عقيدة ترامب الحاكمة في مجال السياسة الخارجية.
ويوضح كلوفيس ذلك بقوله: «المجموعة الأولى، هي أننا نريد أن تكون لنا رؤية عالمية شديدة الوضوح في سياستنا الخارجية، تتعامل مع المصلحة الوطنية. المجموعة الثانية: هي أننا نريد التأكد من أننا نتعامل في أسواق حرة، لكننا نريد جعلها أكثر عدلاً مما هي عليه الآن. المجموعة الثالثة: إذا لم نتمكن من تحقيق تعافٍ اقتصادي قوي، فلن نكون قادرين على تنفيذ المجموعتين السابقتين». ويضيف كلوفيس: «إذا لم تكن هذه هي عقيدة ترامب، فلست أدرى ماذا تكون؟!».
التطبيق العملي لهذه العقيدة يمكن أن يتم بعدة طرق. فتعريف ترامب الضيق لـ«المصلحة الوطنية» لا يشمل أشياء مثل ترويج الديمقراطية، والتدخل لأهداف إنسانية، والمسؤولية عن حماية الناس من الفظائع، أو الدفاع عن حقوق الإنسان في الخارج، كما يعتقد ترامب أن الاشتباك الاقتصادي مع دولة ما يمكن أن يقود إلى انفتاح سياسي في المدى الطويل، ولا يعتقد أن حكومة الولايات المتحدة يجب أن تنفق الأموال، وتبذل الأرواح في محاولة تغيير أنظمة الدول الأخرى.
ترى حملة ترامب أن نهجه يبدو براجماتياً وعملياً لحد كبير، فترامب شأنه في ذلك شأن الواقعيين الكلاسيكيين، يريد التعامل مع الدول والحكومات وليس مع الفاعلين دون مستوى الدول، وهذا كما يرى مستشاروه، يفسر السبب الذي يجعل ترامب يبدو وكأنه يمتدح الرجال الأقوياء الذين يقودون دولهم كمديرين تنفيذيين يمتلكون سلطات مطلقة، فترامب يرى بوتين وغيره من الزعماء الديكتاتوريين كرجال أعمال، يقومون بما يمكن أن يقوم به أي مدير تنفيذي يحارب من أجل مصلحة مؤسسته.
ربما لا يمكن فك شفرة عقيدة ترامب في مجال السياسة الخارجية من خلال تحليل تصريحاته العلنية. كما أنه بمجرد الإفصاح عن تلك العقيدة وتوضيحها من قبل مستشاريه، فإنها قد تبدو غير مرضية في نظر الخبراء، لكنها عقيدة موجودة بالفعل، مما يوضح أن ترامب، إذا ما قدر له أن يصبح رئيساً، سيعمل على تغيير دور أميركا العالمي بدرجة كبيرة.
-------------------
جوش روجين*
*كاتب متخصص في الأمن القومي والشؤون الخارجية
--------------------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوزسيرفس»