الهند والإمارات.. شراكة استراتيجية
تدشن الزيارة التي يقوم بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بن سلطان آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى الهند، عهداً جديداً في العلاقات الإماراتية - الهندية. ومن المنتظر أن تؤدي الزيارة، التي يقوم بها سموه على رأس وفد من كبار المسؤولين ورجال الأعمال الإماراتيين، إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في كافة مجالات التعاون المهمة.
حتى سنوات قليلة مضت، كانت الركائز الأساسية لتلك العلاقة تتمثل في التجارة، والاستثمارات، والقوى العاملة؛ ولكن الزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» لأبوظبي في أغسطس 2015- وهي أول زيارة لرئيس وزراء هندي للدولة خلال 34 عاماً- دشنت مرحلة جديدة من العلاقات، التي تتحرك حالياً بخطى حثيثة نحو التحول لشراكة استراتيجية بين الدولتين.
يذكر أن دولة الإمارات العربية المتحدة تستضيف على أراضيها قرابة 2.6 مليون هندي، يعملون في كافة مجالات، ومستويات سوق العمل في الدولة؛ سواء المستوى الأدنى، أو مستوى الإدارة المتوسطة والعليا. وقد أقامت الجالية التجارية الهندية النشطة، مشاريع مشتركة عديدة في كافة إمارات الدولة، بفضل بيئة الأعمال الصديقة والمزايا الضريبية التي توفرها حكومتها، بالإضافة لذلك، توفر البنية التحتية الممتازة في أبوظبي ودبي لمجتمع الأعمال الهندي، فرصة الوصول بسهولة، ويسر لأسواق كبيرة، ليس في الدول العربية فقط، وإنما في قارتي آسيا وأفريقيا أيضاً.
والهند بالنسبة للإمارات ليس مجرد مستهلك كبير للنفط فحسب، وإنما ثاني أكبر شريك تجاري لها بعد الصين؛ بعد أن تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين حاجز 60 مليار دولار أميركي سنوياً، حيث تبلغ الصادرات الهندية للإمارات 34 مليار دولار؛ وصادرات الإمارات للهند 26 مليار دولار. والبلدان يعملان في الوقت الراهن على نحو مشترك، لتوفير الشروط المثلى للتجارة، والاستثمار بينهما.
ومن بين أهم القرارات التي اتخذتها قيادتا البلدين أثناء زيارة رئيس الوزراء الهندي في أغسطس الماضي، ذلك الخاص بتأسيس صندوق لمشروعات البنية التحتية في الهند بقيمة 75 مليار دولار، لدعم عمليات توسيع شبكة الهند من السكك الحديدية، والموانئ، والطرق، والمطارات، والممرات الصناعية.
وعقب زيارة رئيس الوزراء الهندي للدولة مباشرة، قام سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، بزيار رسمية لنيودلهي في شهر سبتمبر، لحضور اجتماع اللجنة الهندية- الإماراتية المشتركة، والذي تم خلاله بحث تنفيذ عدة مبادرات للتعاون في قطاعات عديدة. والاتصالات الرسمية بين الهند والإمارات، تنمو في الوقت الراهن على نحو حثيث لتتجاوز الاقتصاد، والتجارة، والعلاقات الثنائية، وتتحول إلى شراكة استراتيجية شاملة، وهي خطوة استراتيجية بالغة الأهمية من جانب قيادتا البلدين. فالبلدان لم يوافقا على إجراء تمارين عسكرية مشتركة فحسب، وإنما على الدخول في مشاريع مشتركة لإنتاج المعدات والعتاد العسكري أيضاً. في هذا السياق، قام فريق من وكالة الفضاء الإماراتية، بزيارة «المؤسسة الهندية لأبحاث الفضاء» لمناقشة أوجه التعاون الممكنة بين البلدين في هذا المضمار؛ وقام الفريق بجولة في مركز تجميع، وتجربة، وسيطرة، ومعلومات الأقمار الصناعية الخاصة بمشروع (بعثة المريخ) الهندي.
إلى ذلك، وضعت زيارة رئيس الوزراء الهندي لدولة الإمارات في شهر أغسطس الماضي، أسس التعاون المشترك بين البلدين، في مجال مواجهة الراديكالية، وإساءة استخدام الدين لتأجيج الكراهية، وتبرير اللجوء للإرهاب لأغراض سياسية. والاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الإمارات والهند، لإقامة حوار بين مستشاري الأمن القومي في البلدين، ومجلسي الأمن القومي في كل منهما، وغير ذلك من آليات التعاون الأمني، يلقي الضوء على العلاقات الأمنية المتنامية بين الدولتين الصديقتين، ويعكس بشكل واضح أوجه التلاقي بينهما في مجال مكافحة الإرهاب.
وتشكل الراديكالية، والتطرف الديني تحدياً خطيراً للدولتين معاً. فانتشار المتعاطفين مع «داعش» وأنشطتهم في دولة الإمارات، موضع اهتمام شديد من قبل سلطاتها. وقد قامت دولة الإمارات في الآونة الأخيرة بمداهمة، والقبض على مجموعة مكونة من 41 شخصاً بتهمة التخطيط للقيام بأعمال إرهابية في عدد من إمارات الدولة. وتمكنت قوات الأمن من مصادرة بنادق، ومتفجرات من مجموعة إرهابية كانت على اتصال مع جماعات متطرفة من جماعات الإرهاب في الخارج. ومن المعروف في هذا السياق أن الهند قد تعرضت منذ وقت طويل لأعمال إرهابية على أراضيها.
والتهديدات الإرهابية المتماثلة التي يتعرض لها البلدان، قربت فيما بينهما، وعززت من تصميمهما على محاربة هذا التهديد سوياً، والقضاء على شبكات الإرهاب على ارضيهما من خلال التعاون الفعال بين أجهزتهما. وقد قامت دولة الإمارات بالفعل، بإبعاد عدد قليل من الشبان الهنود المشتبه بهم إلى الهند، بتهمة التعاطف النشط، أو الاتصال الفعلي بعناصر من «داعش».
والقيادات الشابة المعتدلة لدولة الإمارات، والتي نجحت باقتدار في تحويلها إلى الدولة صاحبة أسرع الاقتصادات نمواً في العالم العربي، حظيت بإعجاب كبير في الحقيقة عندما اتخذت خطوة مشهودة، في مجال التسامح الديني، من خلال تخصيص قطعة من الأرض لبناء معبد في أبوظبي لأبناء الجالية الهندية الذين يعملون ويعيشون في الدولة. وكانت هذه القيادات قد قامت قبل هذه الخطوة بافتتاح كنيسة كاثوليكية في أبوظبي أيضاً. وهذا القرار من جانب تلك القيادات الشابة والعصرية لدولة الإمارات، يظهر بجلاء أنها جادة بشأن سياساتها في مجال التسامح الثقافي والديني. وفي الآونة الأخيرة أيضا، صدر قرار ينص على تجريم كافة أشكال التمييز، سواء كان تمييزاً دينياً أو طبقياً، أوعرقياً، أو تمييزاً حسب النوع أو العقيدة. وهذه الخطوات جميعها، ومن دون أدنى شك، تمثل في مجملها خطوات تقدمية، عالية القيمة، لبناء مستقبل آمن ومستقر.
إن الهند قوة عالمية كبرى بازغة، تمتلك اقتصاداً ضخما، في حين تمتلك دولة الإمارات إمكانيات اقتصادية هائلة، كما أن دورها باعتبارها لاعبا نشطا، وموثوق به في المنطقة في مجال التعاون بشأن القضايا الأمنية، وخصوصا الإرهاب والقرصنة، وغيرها من الجرائم العابرة للدول، ما يجعل التعاون بينهما يعود بمكاسب جمة على البلدين.