من المنطقي أن تشيد المنظمات الصهيونية الطامعة في تهويد القدس والاستيلاء على المسجد الأقصى بأي عمل استيطاني منافٍ للقانون الدولي. كما لا نتعجب عندما يقف أستاذ جامعي إسرائيلي ليدعي أن الحرم القدسي الشريف أمر لا قداسة له عند المسلمين، وأن عليهم تفكيك المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة ونقلهما إلى مكة، لإفساح الطريق أمام اليهود لبناء هيكلهم! كذلك لا نندهش عندما يقف في ساحة الأقصى وفي حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، الحاخام يهودا جليك، رئيس ائتلاف المنظمات اليهودية العاملة تحت شعار بناء الهيكل، ليشير إلى مسجد قبة الصخرة قائلا أمام عدسات التليفزيون: لابد من هدم هذا المبنى لأن هيكلنا يجب أن يبنى هنا! كل ذلك الكلام مفهوم باعتباره منطق الطامعين الغزاة المحتلين، أما أن يأتي مثله من باحث عربي مصري أمام عدسات التلفزيون، فإننا نصبح أمام لغز محير. وتزداد الحيرة عندما نكتشف أن هذا الباحث أضنى نفسه في جمع مادة مأخوذة من المصادر الصهيونية ليدعي بأن المسجد الأقصى الذي أسري بسيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام إليه، مكانه الطائف وليس القدس! وعندما يسأله الإعلامي خيري رمضان مستنكراً: هل تعني أن المسجد الأقصى الموجود بالقدس لا يمثل قداسة عند المسلمين؟ يجيب بعجرفة وتعال: نعم. وعندما يعود الإعلامي ليسأله: وما الذي سنصل إليه من هذا المنطق؟ يصفع الباحث نفسه قبل أن يصفع وجه الحقيقة، قائلا: سنصل إلى السلام. هكذا نجد أنفسنا أمام هدف سياسي مفضوح، يدعو للتفريط في الحقوق بينما يحاول التستر بالحديث المزيف عن التاريخ اليهودي وعن المقدسات الإسلامية. إن ادعاء الباحث المذكور بأن واقعة الإسراء قد تمت من مكة إلى الطائف وليس إلى القدس، مردود عليه بالأحاديث النبوية التي توضح وصف القدس وموقع الصخرة المشرفة فيها، والذي واجه به النبي عليه الصلاة والسلام كفار قريش عندما راحوا يمتحنون صدق روايته عن زيارته للقدس. كما أنه ادعاء مردود على صاحبه الأصلي الأكاديمي الإسرائيلي موردخاى كيدار، الأستاذ بجامعة بار إيلان الإسرائيلية المعروفة بتشددها الصهيوني وبكونها معقلا للصهيونية الدينية.. بأن كلمة المسجد الأقصى في الآية القرآنية لا تعني مسجداً جامعاً ولكنها تعني مكاناً للسجود! إن التطوع من جانب ذلك الباحث بنفي قدسية المسجد الأقصى عند المسلمين هو تطوع في غير محله، لأن مليار مسلم في العالم ينظرون باحترام وتقديس للقدس والمسجد الأقصى باعتباره أحد أماكنهم المقدسة.. فمن أين استمد هذا الباحث ذلك الادعاء بتمثيلنا؟ إن تطوع ذلك الباحث بالادعاء بأن القدس هي لليهود وليس للمسلمين هو تطوع مرذول يشبه بالضبط -كما قال لي وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور محمد صابر عرب (أستاذ التاريخ)- التطوع بتمزيق مستندات ملكية بيت وانتزاعها من يد صاحبه الذي تعرض للنهب وتسليمها للص كي يحرم صاحب البيت من حق المطالبة باسترداد حقه، بناءً على ما يمتلك من مستندات تؤيد ملكيته. وادعاء الباحث المذكور بأن التنازل عن القدس يحقق السلام هو ادعاء ساذج وسخيف. وهنا نسأله: هل سمع من المسؤولين الإسرائيليين الذين يقدم لهم هديته التطوعية هذه أنهم مستعدون مقابل تطوعه لإعادة الضفة الغربية المحتلة وتفكيك مستوطناتهم والموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعلى إعادة ملايين اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا منها؟ طبعاً لم يسمع ذلك. فأي سلام هذا الذي يعدنا هذا الباحث بالتوصل إليه إذا اتبعنا تفكيره هذا وفرطنا في مقدساتنا الدينية تحت شعار زائف؟ لن نكون إن اتبعنا هذه الغواية الرخيصة سوى مفرطين نعاون الغزاة الناهبين على مزيد من النهب والتهويد.