الإمارات والهند.. نحو شراكة استراتيجية
الزيارة التي قام بها إلى الهند صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قبل أيام والتي تلاها صدور بيان مشترك، يؤكد على إدانة البلدين لكل أشكال التطرف والإرهاب ومرتكبيها وتبريراتها، سواء من قبل الدول أو التنظيمات والحركات المشبوهة، وعزمها دفع علاقاتهما الثنائية نحو شراكة استراتيجية شاملة بعيدة المدى، من خلال زيادة التبادل التجاري بمعدل 60 بالمائة في السنوات الخمس القادمة واحتفاظ الإمارات باحتياطي بترولي استراتيجي في الهند، ودعم مجلس الأعمال الإماراتي الهندي الذي تأسس في سبتمبر 2015، هو حدث مهم ويتوافق مع متطلبات المرحلة وتحدياتها.
فالهند لم تعد تلك الدولة الفقيرة البائسة المعتمدة على المساعدات والمنح والهبات كحالها في سنوات ما بعد استقلال في أربعينات وخمسينات وستينات القرن العشرين. لقد تغير الزمن، وتغيرت معها هذه البلاد الشاسعة يوم أن قررت خلع ردائها الاشتراكي في مطلع التسعينات، وشمر أبناؤها عن سواعدهم للخروج من مساوئ ذلك النظام الذي كبل طموحاتهم الفردية والجماعية، لكن مع إصرارهم على المحافظة على الدعامتين اللتين شكلا دوما حماية لدولتهم الوطنية وكيانهم متعدد الأعراق والثقافات والأديان وهما الديمقراطية والعلمانية في شكلهما الغربي. فكانت النتيجة زيادة مطردة في حجم الناتج المحلي، ونشوء اقتصاد تفوق قيمته الترليوني دولار، وتحسن مستويات المعيشة، ونشوء طبقة متوسطة كبيرة من تلك التي يعتد بها في عملية التنمية والبناء والابتكار. وهكذا انتقلت الهند من دولة مفلسة ذات خزائن خاوية في عام 1991 إلى دولة يفوق ما لديها من احتياطيات العملة الصعبة مائتي مليار دولار كأدنى تقدير، بل صارت اليوم من الدول الواعدة اقتصادياً وعلمياً وتكنولوجيا، ناهيك عن أنها صارت صاحبة نفوذ وتأثير على الساحتين الإقليمية والدولية، بحيث صار الكبار والصغار يحاولون كسب ودها.
وفي عالمنا العربي المثخن بالجراحات والصراعات، والمبتلي بالأزمات والاحتقانات، وبالتراجعات على مختلف الأصعدة نجد أن بقعة الضوء الوحيدة الباعثة على شيء من الأمل تتجسد في دول الخليج العربية كنتيجة لسياسات قادتها العقلانية، سواء لجهة الملفات الداخلية الخاصة بتنمية الوطن وتوفير العيش الكريم للمواطن أو لجهة الملفات الخارجية الساخنة.
وحينما نتحدث عن بقعة الضوء هذه، فإننا نجد مركزها الأكثر إشعاعاً هي دولة الإمارات العربية المتحدة.
في زيارتي الأخيرة إلى نيودلهي في منتصف نوفمبر 2015 ضمن وفد غير رسمي من الخبراء والأكاديميين والوزراء العرب السابقين، بهدف صياغة بعض الأفكار لعرضها على منتدى التعاون العربي ـ الهندي الذي عقد دورته الأولى في المنامة في يناير الماضي بحضور وزراء خارجية الدول العربية، ووزيرة خارجية الهند السيدة «سوشما سواراج»، إضافة إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية ركزت ــ ضمن أمور أخرى ــ على ضرورة تأسيس العلاقات العربية الهندية بصفة عامة، والعلاقات الخليجية الهندية بصفة خاصة على قاعدة جديدة هي قاعدة الشراكة الإستراتيجية طويلة المدى متعددة الأوجه مع تأطيرها بسياج من الاتفاقيات الملزمة كي لا ينعكس تغير الحكومات والساسة والأحزاب الحاكمة سلباً على وتيرة العلاقات وزخمها وديمومتها. وقد كررت هذا في كلمتي أمام وزراء خارجية الهند والدول العربية خلال لقائهم في المنامة.
وأستطيع أن أقول بثقة إن قيام زعيم بحجم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد بزيارة الهند في هذا التوقيت تحديداً، وصدور بيان مشترك، يتضمن حرفياً ما أتيت على ذكره يجب أن يكون مبعث سعادة لكافة العرب وليس فقط شعب الإمارات الذي يتبنى قادته رؤية سديدة لاستقطاب القطب الهندي وغيره من الأقطاب الآسيوية الصاعدة إلى الصف العربي. ومن يدري، فقد تشجع مثل هذه المبادرات الخلاقة الهند على الانخراط بصورة عملية في أي ترتيبات أمنية، خاصة بمنطقتي الخليج والشرق الأوسط على نحو ما اقترحه وزير خارجية المملكة العربية السعودية الراحل المغفور له الأمير سعود الفيصل أثناء حوار المنامة في عام 2004، خصوصاً وأن للهند مصلحة مؤكدة في ذلك لأن تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقتين إنما هو تعزيز لمصالحها الكثيرة والمتنوعة فيهما، والتي تشمل التجارة والاستثمار والطاقة وتصدير الأيدي العاملة.