الإمارات.. ومحترفو النقد
قرأت باستغراب واستهجان ما كتبه البعض في وسائل الإعلام المختلفة تعليقاً على استحداث الحكومة الاتحادية بعض الوزارات، ولاسيما وزارتي السعادة والتسامح! أزعجتني التساؤلات غير البريئة في بعض المقالات، العربية منها والأجنبية، لأن أصاحبها لا يبحثون عن إجابات، وإنما يسعون إلى التقليل من الفكرة أساساً. لم يكن تناوُل البعض لهذا الموضوع نقداً موضوعياً، ولم تدل عباراتهم التي كتبوها على نيات صافية، وإنما كانت هناك محاولة لجعل القارئ يتبنى رأيهم ومواقفهم، فعلى سبيل المثال عندما تتم مقارنة فكرة وزارة السعادة في الإمارات مع كل من بنما وفنزويلا، وعندما يطالب البعض بمراجعة مكانة الإمارات في مؤشر السعادة العالمي، فلا بد لك كمراقب أن تفترض أحد أمرين: فإما أن هذه كلمة حق أريد بها باطل، وهو بالنسبة لي الاحتمال الأقرب، لأن هذا الأسلوب بات هو السائد لدى محترفي التثبيط. وإما أنه طرح بريء يطمح إلى الحصول على تفصيلات أكثر حول جدوى هذه الخطوة. ولكنني أعتقد أنه ليس بخاف على أحد أن أي فكرة جديدة تحتاج إلى وقت لتقييمها والحكم عليها بالنجاح أو الفشل.
من حق كل شخص أن يعبر عما يريد في أي موضوع يخص الإمارات، وأن ينتقد إذا صادف أمراً أو عملاً لا يحبه. ولكن محاولة التقليل من إنجاز الدولة والتهكم من خطوات جادة تقوم بها إنما تشكل خصماً من رصيد من يفعلون ذلك. وحقيقة عندما تقرأ لمثل هؤلاء تتذكر على الفور مواقف مشابهة لأناس سبق لهم أن انتقدوا مواقف الآباء المؤسسين لدولة الإمارات، وسخروا من طموحاتهم وأفكارهم، واعتبروها من المستحيلات، ولكنهم مع مرور الأيام اعترفوا بخطئهم، وتسرعهم في الحكم على الأمور.
النقد من أجل النقد هي مشكلة خاصة لمن يمتهنون هذا العمل، وهم سيظلون حبيسي الأسوار التي بنوها من أوهامهم. ودولة الإمارات ستبقى البلد الذي يفاجئ العالم كل يوم بما هو جديد ومبهر في شتى المجالات، الأمر الذي بات الجميع يدركه ويراه رأي العين، حتى إن كل من يزور الإمارات بشكل مستمر يقول إنك إذا غادرتها أياماً ثم عدت إليها، فلابد أنك ستجد الكثير من الأشياء التي تغيرت. ومن العجيب أننا في الوقت نفسه نجد من يصر على نكران الواقع، ولا يستوعب أن تكون هناك دولة مختلفة في هذه المنطقة، بل إنهم يتمسكون بنظرتهم المتشائمة والصورة الذهنية التي رسموها عن الوضع العربي، ولا يستطيعون أن يروا الإمارات إلا من خلال هذه الرؤية.
وإذا كانت غريزة «التشويه» هي التي أثارت رغبة هؤلاء في كتابة هذه السطور، فإنني آمل أن يتحلى أصحاب هذه الغريزة ببعض التواضع والموضوعية عندما يتناولون التغيرات الحاصلة في الإمارات، لأن التغيرات المتراكمة لا يمكن أن تأتي عبثاً. وأعتقد أنه من الأفضل لأولئك المنتقدين أن يلتفتوا إلى هذه التجربة الناجحة وأن يدعوا الآخرين إلى الاستفادة منها، ولاسيما بعد أن أثبتت دولة الإمارات أن لديها رؤيتها الخاصة وأجندتها التي تستلهمها من أصولها وإرثها الحضاري والمعرفي، وهي اليوم تمتلك «قوة ذاتية» اكتسبتها من تجربتها التنموية التي باتت نموذجاً عالمياً.
من السهل أن تجد من تملكته «الغبطة» لما يحدث في دولة الإمارات ويتحرق شوقاً أن يرى في بلده ما يحدث هنا. وهذا النوع من الناس يمكن تفهم وجهة نظرهم، على الأقل لأنهم يستخدمون الواقعية في تفكيرهم، بل إنهم يعترفون علناً بأن دولة الإمارات أصبحت نموذجاً للنجاح في كل الميادين، وأصبحت كلمتها مسموعة في العالم كله، حتى باتت دول كثيرة تسعى إلى جذبها تجاهها للاستثمار السياسي أو الاقتصادي، ولعل الجميع لاحظ حفاوة الاستقبال التي لقيها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أثناء زيارته الهند قبل أيام، والتي تؤكد بلا شك التقدير الدولي للإمارات ومكانتها.
لا شك أننا نشعر بالأسف لوجود من يتناول كل تجربة إماراتية جديدة بشكل سلبي، ولكننا ندرك أن «أعداء النجاح» موجودون في كل مكان وزمان، وهؤلاء بالتأكيد لن يضيروا دولة الإمارات أو يوقفوا مسيرتها الرائدة، بل هي ستمضي واثقة بنفسها بعد أن حسمت أمرها، وجعلت همها ومشروعها الأكبر إسعاد شعبها، والحفاظ على حالة التسامح التي تعيشها.