اختارت دولة الإمارات أن تكون الريادة هي الصفة الملازمة لها في رحلتها مع التطوير والتنمية، وأفردت من هذه الريادة نصيباً واضحاً لدعم المرأة التي شملتها بكل العناية والاهتمام، تأكيداً على دورها الرئيس في بناء المجتمع وإسهامها الذي لا غنى عنه في تحقيق رفعته وتقدمه وازدهاره؛ فكانت دولتنا بذلك دائماً سبّاقة إلى تبني الخطوات التي من شأنها تعزيز هذا الدور والارتقاء به وتوسيع دائرته وتعميق آثاره على مختلف الصعد. ولا شك في أن التشكيل الوزاري الجديد للحكومة الاتحادية الذي اعتمده قبل أيام صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وكشف عنه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، قد أثار موجة من ردود الفعل الإيجابية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إذ شملت الحكومة الجديدة في صفوفها ثمانية من الإماراتيات الرائدات أصغرهن في الـ 22 من عمرها، بينما أُوكلت لإحداهن حقيبة وزارية «فريدة» ربما هي الأولى من نوعها على مستوى العالم أجمع وهي وزيرة الدولة «للسعادة»، لتكون مسؤولة بذلك عن تحقيق أحد أهم الأهداف التي وضعتها الحكومة نصب أعينها كمحرك أول لكل مبادراتها ومشاريعها. وما يزيد من اتساع دائرة الأبعاد الإيجابية لهذه الخطوة، تزامنها مع قرب استضافة دولة الإمارات لمنتدى المرأة العالمي في دبي خلال الشهر الجاري، إذ يعكس التشكيل الوزاري الجديد الآمال العريضة التي تعقدها قيادتنا الرشيدة على المرأة الإماراتية، ويجسّد بوضوح ما تفرده لها الدولة من مساحات تزيد بها مشاركتها في عملية صنع القرار على مختلف المستويات الرسمية والمجتمعية، ويبلور الثقة الكبيرة التي تضعها القيادة الحكيمة في قدرات المرأة على المشاركة في قيادة عملية التغيير الإيجابي وتحقيق طموحات وتطلعات قيادة وشعب الإمارات دعماً لعملية التطوير الشاملة في دولتنا نحو آفاق تنموية أرحب وأشمل. إن هذا التكليف السامي باختيار المرأة لتولي العديد من الحقائب والملفات المهمة، ومنحها نحو 27% من مساحة تشكيل مجلس الوزراء الجديد، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن المرأة الإماراتية قد تخطت مرحلة التمكين وانتقلت إلى مرحلة المشاركة الحقيقية في عملية القيادة، ليترسخ بذلك دورها المؤثر في قلب مسيرتنا المباركة نحو المستقبل. وتشكل مساهمة المرأة الإماراتية في قيادة التطوير على صعيد الدولة حافزاً لجميع الإماراتيات، بل إنني اعتبرها مصدر إلهام لنساء المنطقة للتفاعل بإيجابية مع التحديات من حولهن، وإنجازاً يعكس قدرتهن على ضخ دماء جديدة في عروق المؤسسات الحكومية والإتيان بأفكار مبتكرة تلبي الطموحات وتضع الجميع أمام مسؤولية تاريخية للتفكير بطريقة مختلفة لتحقيق التقدم المنشود ومواكبة العصر واستشراف المستقبل. وقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ذلك بقوله «لا يمكن أن نعبر للمستقبل بأدوات الماضي، ولا يمكن تحقيق قفزات تنموية كبيرة من دون التفكير بطريقة جديدة في شكل الحكومة». وهنا لابد لي من الإشارة إلى هذا الإنجاز المهم في سجل المرأة يتوّج جهوداً طويلة ومخلصة تأتي في مقدمتها إسهامات «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، التي بذلت- وما زالت- جهوداً ضخمة في مجال دعم المرأة الإماراتية وأسرتها، التي تمثل اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإماراتي، فضلاً عن إسهامات سموها على الصعيد العربي الأشمل بما وجّهت به سموها من مبادرات ومشاريع سعت إلى الارتقاء بقدرات المرأة العربية في شتى أنحاء المنطقة. وبفضل تلك الجهود، نجحت المرأة الإماراتية من الانتقال من مرحلة التأثر إلى مرحلة التأثير، وأود أن أشير هنا إلى بعض الحقائق المهمة التي تشهد بها لغة الأرقام؛ إذ ارتفعت نسبة تمثيل المرأة في سوق العمل من 3.4% لعدد النساء العاملات في العام 1975 إلى 47% في يومنا هذا، ولتشغل حالياً نحو 66% من الوظائف الحكومية، و30% من مناصب صنع القرار في شتى الدوائر الحكومية، علاوة على كونها تمثل نسبة 70% من مجموع الخريجين على مستوى دولة الإمارات. وقد حلّت الدولة في المرتبة الأولى عالمياً في معدل التحاق المرأة بالتعليم من المدارس الثانوية إلى الجامعات وذلك بنسبة 92%، حسب تقرير مؤشرات التطور الاجتماعي 2014. كما تضم دولتنا أعلى نسبة تمثيل نساء في جهاز الشرطة على مستوى الدول العربية بإجمالي 13,000 شرطية، في حين تمثل المرأة الإماراتية ما يقارب الـ 20% من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي. وقد انعكس دعم القيادة، ونجاح النساء الإماراتيات في ترجمة ذلك الدعم إلى قدرة حقيقية على تحمل المسؤولية، في تحقيق أكثر من إنجاز على الصعيدين الإقليمي والعالمي، حيث أصبحت نجاحات المرأة الإماراتية اليوم، علامات مضيئة على طريق التقدم والتغيير الإيجابي والمشاركة الفاعلة في دفع عجلة التقدم والتطور للمجتمع المحلي. وقد تجلى ذلك في إحراز دولة الإمارات المرتبة الأولى في مجال التعليم العالي للمرأة، وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي في تقليص الفجوة العالمية بين الجنسين 2013، وتصدّرها مؤشر احترام المرأة عالمياً في الحفاظ على كرامتها وتعزيز مكانتها، واحتلالها المرتبة الأولى عربياً في تمكين المرأة قيادياً وبرلمانياً. وقد قامت الدولة باتخاذ خطوات غير مسبوقة في مجال تعزيز مشاركة المرأة في مختلف المجالات الاقتصادية والمجتمعية والسياسية، حيث جاء تأسيسنا لـ «مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين»، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، ليشكل خطوة بارزة في بناء أسس دولة المستقبل التي تواكب ركب التقدم الإنساني التي تمنح المرأة فرصتها الكاملة في حياة متوازنة ومستقرة. كما جاء إطلاقنا لمبادرة «المرأة في مجلس الإدارة» وتبني مجلس الوزراء قراراً نص على ضرورة حضور المرأة في جميع مجالس الإدارة على مستوى المؤسسات الحكومية، ليواكب الاتجاهات العالمية في هذا المجال وليعزز تمثيل المرأة في مجالس الإدارة في القطاعين العام والخاص. كما انضمت دولة الإمارات إلى عدد من الاتفاقات الدولية التي تعنى بالمرأة وتكفل لها حقوقها مثل «اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، إضافة إلى دعم مبادرات وتنفيذ مشروعات تشجع على المساواة بين الجنسين، ومواصلة تقديم الدعم للميزانية الأساسية لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، حيث قدمت للهيئة 18.5 مليون درهم في العام 2014. إن ثقتي لا حدود لها في قدرة المرأة على تحمل المسؤولية وقيادة مجتمعاتنا جنباً إلى جنب مع الرجال، لتحقيق الأفضل لها في مختلف المجالات. وما استضافتنا لـ «منتدى المرأة العالمي» في دبي تحت شعار «لنبتكر» ولأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلا تأكيداً لقدرتنا على الريادة كنساء إماراتيات وعربيات، إذ سنسعى من خلال هذا التجمع العالمي لتسليط الضوء على جهودنا، وجهود دول المنطقة، الهادفة لتعزيز مكانة المرأة وتوسيع دائرة تأثيرها على الصعيد العالمي في مجال التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ومناقشة دورها المستدام في عالم سريع التغير وإلهام الأجيال القادمة من النساء للمشاركة بفاعلية في بناء الأوطان وتقدمها وازدهارها. ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ــ ـ *منال بنت محمد بن راشد آل مكتوم رئيسة مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين، رئيسة مؤسسة دبي للمرأة.