لا شك في أن الموت المفاجئ لقاضي المحكمة العليا الأميركية «أنتونين سكاليا» في الثالث عشر من فبراير في بيت ريفي غرب ولاية تكساس قد وضع عصا كبيرة في عجلة الحملات الانتخابية التمهيدية الحالية. ذلك أن «سكاليا» كان حتى وفاته هو المحافظَ الأكثر نفوذاً وتأثيراً في المحكمة العليا المؤلفة من تسعة قضاة. وعلى مدى عقدين من الزمن، كانت المحكمة تنقسم على نفسها حول العديد من قراراتها المثيرة للجدل إلى 5 أصوات مقابل 4 أصوات، حيث كان أعضاء المحكمة الجمهوريون عادة ما ينتصرون بأغلبية خمسة أصوات. ولعل أشهر قضية هي تلك التي نظرت فيها المحكمة في 2000 عندما حكمت بأغلبية 5 أصوات مقابل 4 لمصلحة جورج دبليو. بوش في معركته القانونية ضد «آل جور» حول الأصوات المتنازع عليها في ولاية فلوريدا. وقد أعلن الرئيس أوباما أنه سيُرشح خلفاً لـ«سكاليا» وسيرسل الاسم إلى مجلس الشيوخ من أجل مناقشته والتصويت عليه. ولكن الجمهوريين، بمن فيهم كل المرشحين الرئاسيين، يقولون إن أمر الترشيح ينبغي أن يُترك للرئيس المقبل، وهو ما سيعني شغور المقعد في المحكمة لأكثر من عام. وفي المقابل، يجادل الديمقراطيون بأن عدم إرسال الرئيس لاسم مرشح إلى مجلس الشيوخ من أجل التصويت عليه سيمثل إهمالًا وتقصيراً في أداء واجبه الدستوري. وبالطبع، فإن الحجج الجوهرية سياسية وليست قانونية، ذلك أن الجمهوريين يأملون أن يكون الرئيس المقبل منهم، وفي تلك الحالة، سيكون قادراً على تعيين قاضيين أو ربما ثلاثة قضاة خلال ولايته الأولى بالنظر إلى تقدم سن بعض أعضاء المحكمة المتبقين، وهو ما من شأنه أن يضمن أغلبية محافظة في المحكمة لعدة سنوات قادمة على اعتبار أن التعيينات تكون على مدى الحياة. ولكن حتى يستطيع رئيس جمهوري القيام بمثل هذه الاختيارات، سيتعين عليه أن يحصل على موافقة مجلس الشيوخ أولًا. والحال أنه من الممكن جداً أن تؤول السيطرة على مجلس الشيوخ إلى الديمقراطيين بالنظر إلى أن عدداً من أعضاء المجلس الجمهوريين مهدَّدون بفقدان مقاعدهم في انتخابات نوفمبر المقبل. وبالتالي، فإن انتصار الديمقراطيين ونجاحهم في السيطرة على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ في نوفمبر من شأنه أن يغيِّر أيضاً جذرياً الاحتمالات لمصلحة تشكل محكمة عليا أكثر ليبرالية. أما في حال لم يكن ثمة أي تعيين لخلافة «سكاليا» خلال ما تبقى من رئاسة أوباما، فإن المحكمة تستطيع مع ذلك النظر في قضايا مهمة تختارها، ولعل أكثر هذه القضايا إثارة للجدل هي تلك المتعلقة بحقوق الإجهاض، والهجرة، وحقوق النقابات، وحقوق التصويت، وتشريع تكافؤ الفرص. على أنه في حال صوتت المحكمة العليا ب4 أصوات مقابل 4 أصوات حول هذه القضايا، فإن الأحكام الأصلية الصادرة عن المحاكم الأدنى مرتبة التي نظرت في هذه القضايا ستظل قائمة. والجدير بالذكر هنا أن الطعون في أحكام المحاكم الأدنى مرتبة تأتي في معظم الأحيان وبشكل رئيسي من المحافظين الذين يأملون أن تكون أغلبيتهم بـ5 مقابل 4 في المحكمة العليا كافية لقلب ونقض أحكام المحاكم الأدنى مرتبة. وعليه، فإن الرهانات بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقبلة ازدادت كثيراً الآن، ولأول مرة منذ سنوات عديدة، سيشكّل موضوع المناصب الشاغرة في المحكمة العليا عنصراً أساسياً في الحملات الانتخابية. فالجمهوريون يأملون أن تقوّي محكمة عليا ذات أغلبية محافظة حقوق حيازة السلاح، وتفرض قيوداً أشد على الهجرة، وتستمر في صيانة حكم «المواطنين المتحدين» الذي لا يضع أي قيد على المساهمات المالية في الحملات السياسية. وفي المقابل، يريد الديمقراطيون نتائج معاكسة، إذ يرغبون في الحفاظ على حق النساء في الإجهاض، وأنسنة نظام الهجرة، وفرض قوانين أكثر صرامة على حيازة السلاح، وإسقاط حكم «المواطنين المتحدين» لتقليص مستوى الأموال التي تُمنح للمرشحين السياسيين. وخلال الأشهر المقبلة، من المحتمل أن يضغط أوباما بقوة لإرسال اسم مرشح لمجلس الشيوخ. وإذا تمكن من ترشيح شخص محنّك معروف باعتداله، وليس بتطرفه، فإن الجمهوريين سيكونون في موقف صعب لرفض إجراء جلسات استماع لهذا المرشح. ولاشك في أن العرقلة والسلبية من قبل الجمهوريين لن تفيدهم ولن تخدمهم في سعيهم للسيطرة على مجلس الشيوخ العام المقبل. وعلى هذه الخلفية، يمكن القول إن تعيين خلف ل«سكاليا» منح الديمقراطيين فرصة من ذهب لإبراز الرفض والاستنكار الوطني لسلوك الكونجرس الخاضع لسيطرة الجمهوريين.