المعلم أولاً
تكلم معي بعض المتابعين مشكورين حول مقالي الذي كتبته في هذه الصفحة الأسبوع الماضي، والذي حمل عنوان «تعليمنا مستقبلنا»، لا يشكك أحد في أهمية التعليم، لكن ما لفت انتباه البعض عبارة كتبتها في ختام المقال قلت فيها: «لن تنجح خططنا التربوية في بناء جيل المستقبل، والمعلم يعيش فجوة حضارية تحول بينه وبين ما يريد، فمن أراد ملخصاً لقياس مستقبل التعليم في بلد ما يبحث في جودة المعلم».
لماذا المعلم؟ سؤال لا بأس من طرحه، دعوني أنقل لكم نتائج إحدى أهم الدراسات الحديثة في تقرير كتبه Dr Paul Kielstra ونشره Economist Intelligence Unit.
في هذا التقرير تمت دراسة 60 متغيراً مؤثراً في التعليم في أكثر من 50 دولة حول العالم حققت نتائج رائعة في الاختبارات الدولية في مجال التعليم. لم يترك التقرير مجالاً للمقارنة إلا ودرسها مثل العلاقة بين عدد التلاميذ في الصف والتحصيل، إنفاق الدول على التعليم وأثر الميزانيات، ومستوى جودة المدارس، بل درس التقرير أنظمة تعليمية متناقضة لكنها متقدمة مثل التعليم في كوريا الجنوبية، الذي لا يعطي التلاميذ مجالاً أو حرية في الاختيار ولا يعتبر المتعلم سعيداً في مدرسته، وتم مقارنة ذلك بالمدرسة في فنلندا القائمة على راحة المتعلم وسعادته، وعلى الرغم من أهمية المؤثرات المتداخلة في أنظمة التعليم، لكنها عوامل مساندة، الحقيقة التي وصل لها هذا التقرير العلمي هي أنه لا يوجد بديل عن المعلم الجيد في تطوير التعليم، حقيقة لا يمكن لعاقل أن ينكرها. لقد فكرنا كثيراً في تطوير التعليم في دولة الإمارات، وبذلت جهوداً مشكورة في تطوير المناهج والبنية التحتية للمدارس، طورنا اللوائح وأنظمة الإدارة، لكن المعلم في دولة الإمارات ما زال يعاني من الكثير. فحقوقه المادية لما تصل بعد للمستوى الذي ينبغي أن تكون عليه، وهموم المهنة كأنها لم تكن كافية لنزاحمها بكثير من الورقيات والتقارير، التي لا تخدم لب المهنة بمقدار ما تحقق متطلبات الإدارة المدرسية، لا أريد أن أعدد أسباب الاحتراق المهني للمعلم في دولة الإمارات، لكنني أدق ناقوس الخطر كي أقول بكل صراحة: لقد أضحت مهنة التعليم طاردة وغير جاذبة لجيل المستقبل.
أتمنى أن تعلن بصراحة إحصاءات الاستقالات سنوياً كي نعرف الفاقد من الميدان التربوي، وفي المقابل فإن أهم كلية للتربية والتعليم في دولة الإمارات انخفض عدد الطلبة فيها خلال عقد من الزمن إلى ما يقارب 500 طالبة بعد أن كان العدد يجاوز 5000، ألا يكفي ذلك لدق ناقوس الخطر.
من المنطقي تربوياً الاهتمام بالمعلم، فكلنا يدرك أن دائرة الاهتمام التربوي تتزايد كلما كانت العوامل أقرب للمركز، التعليم الجيد يتمحور حول التلاميذ، وكلما اقترب المؤثر منهم زاد اهتمامنا به، فأقرب عنصر مؤثر في التعليم هو المعلم، وكل من حوله في المدرسة، أو إدارة التعليم هم عوامل مساندة للمعلم كي يتمكن من القيام بالمهمة الوطنية المنوط به تنفيذها، عندما تجد هذه المعادلة المنطقية موقعها من الإعراب في مدارسنا سأقول بكل شفافية لقد بدأنا أول خطوة صحيحة من أجل تعليم يضمن التوازن بين ثقافة المجتمع وهويته والعالمية، وأقترح على إخواني المسؤولين عن التربية والتعليم في وطني إنشاء مركز لاستقطاب المعلمين تتلخص مهمته في تعيين المعلمين من داخل الدولة وخارجها وتدريبهم والتنسيق مع كليات التربية لتحديد التخصصات المطلوبة محلياً، ودراسة العوامل المؤثرة سلباً في أداء المعلمين. كما أدعو إلى خلوة تربوية للتفكر في طرق معالجة هذا الأمر، في هذه الخلوة نرفع شعار المعلم أولاً.