بمرور كل عام يصاب 150 ألف طفل في عمر الزهور بنوع أو آخر من أنواع الأمراض السرطانية المختلفة والمتعددة. ففي الولايات المتحدة مثلًا، تحتل الوفيات بسبب الأمراض السرطانية المرتبة الثانية على قائمة أسباب الوفيات بين الأطفال، ولا يسبقها على هذه القائمة إلا الوفيات الناتجة عن الحوادث. وعلى العكس من ذلك، نجد في بريطانيا أن الأمراض السرطانية بين الأطفال نادرة نوعاً ما، حيث تشكل أقل من 1 في المئة من جميع حالات الإصابة بالسرطان، وعلى رغم ذلك تعتبر السبب الأول في الوفيات بين سن الواحدة والرابعة عشرة. ولا تستثني الأمراض السرطانية بين الأطفال، أية دولة، أو أية منطقة من العالم، لتلقي بظلها المشؤوم، على أعداد لا حصر لها من الأسر والعائلات، يرزحون جميعاً تحت عبئها الإنساني والاقتصادي. ولكن، إذا ما توفرت الرعاية الصحية الجيدة، فيمكن لـ80 في المئة من هؤلاء الأطفال، أن يشفوا من مرضهم، وأن ينجوا بحياتهم. وهذا المطلب الأساسي، يعز على كثير من الأطفال وعائلاتهم، في الدول متوسطة الدخل والفقيرة، ولذا نجد أن تسعين في المئة من وفيات الأطفال بسبب الأمراض السرطانية، تحدث في تلك الدول، وبين تلك المجتمعات. هذه المأساة الإنسانية، وما يرافقها من حقائق موجعة، يسعى اليوم العالمي لسرطان الأطفال (International Childhood Cancer Day)، الذي يحل منتصف شهر فبراير من كل عام، إلى إلقاء الضوء عليها، وزيادة الوعي الدولي بحجم هذه المشكلة الصحية الدولية، ودعم الأطفال والمراهقين المصابين بالسرطان، والناجين منه، وعائلاتهم. فلا يمكن أن يقف المجتمع الدولي، وأفراد الطاقم الطبي، مكتوفي الأيدي، بينما يسقط عشرات الآلاف من الأطفال صرعى لمجموعة من الأمراض، كان يمكن لو توفر الدعم المالي والفني أن ينجو 4 من كل 5 منهم، في الوقت الذي تُنفق فيه مئات المليارات من الدولارات -وربما الآلاف- على أسلحة وميزانيات التسلح، لا لغرض إلا لقتل الآخرين. ومثل بقية أنواع الأمراض الأخرى، تبدأ مواجهة الأمراض السرطانية من خلال تفعيل إجراءات الوقاية، التي تعتمد على فهمنا للعوامل المسببة لها بشكل مباشر، وعلى الظروف المحيطة التي تزيد من احتمالات الإصابة، والمعروفة بعوامل الخطر. ولكن للأسف، في الوقت الذي يوجد فيه جانب وراثي جيني، وعائلي، فيما بين 5 إلى 15 في المئة من حالات السرطان لدى الأطفال، كما أن هناك ما بين 5 إلى 10 في المئة من الحالات الناتجة عن التعرض لعوامل بيئية محددة، مثل تعرض الجنين خلال فترة الحمل إلى الأشعة السينية المستخدمة طبياً في التشخيص، أو التعرض لمنتجات التبغ بمختلف أشكالها، أو التعرض لأنواع محددة من العقاقير والأدوية، يظل هناك ما بين 75 إلى 90 في المئة من حالات الإصابة بالسرطان بين الأطفال مجهولة السبب، ولذا يعتقد الأطباء أن التعرض لعوامل خطر متعددة، ومسرطنة، ومتباينة التأثير، يؤدي إلى نتائج مختلفة، وبشكل شخصي فريد. وتتنوع الأمراض السرطانية بين الأطفال بشكل كبير، وإن كانت غالبيتها تقع في شكل ثلاثة أمراض، هي: سرطان الدم المعروف باللوكيميا (34 في المئة)، وسرطان المخ (23 في المئة)، وسرطان الدم المعروف بالليمفوما (12 في المئة)، لتشكل بذلك هذه الأنواع الثلاثة معاً، حوالي 70 في المئة من جميع الأمراض السرطانية التي تصيب الأطفال. وتختلف عوامل الخطر خلف الأمراض السرطانية بين الأطفال عن مثيلاتها بين البالغين وكبار السن، في عدة جوانب، منها: أولًا، تعرض الأطفال لمخاطر بيئية مسرطنة، مختلفة، وفريدة، كون الأطفال يعتمدون على الكبار في حمايتهم من العوامل البيئية السامة. ثانياً: عدم اكتمال نمو ونضج الأجهزة الوظيفية الفسيولوجية لدى الأطفال، مما يعيق أجسادهم عن التخلص من المواد السامة في البيئة المحيطة بهم، أو التعامل معها بشكل يقلل من تبعاتها وآثارها. ثالثاً: يمر الأطفال خلال السنوات الأولى من عمرهم بمرحلة، تعرف بطور أو نافذة النمو، والتي تتميز بشكل مواز بنافذة أو طور حرج من الضعف البيولوجي والفسيولوجي. ومن المنظور الدولي يوجد تباين وفرق واضح عند مقارنة معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية بين أطفال الدول الغنية، وأطفال الدول الفقيرة. وهو ما قد يكون ناتجاً عن تباين معدلات التشخيص، بمعنى أن حالات الإصابة بين أطفال الدول الغنية، يتم تشخيصها بشكل سليم وسريع، نتيجة توفر الرعاية الطبية وارتفاع مستواها، مقارنة بالدول الفقيرة التي قد يصاب فيها الطفل بالسرطان، ويلقى حتفه، دون أن يكون قد تم تشخيص مرضه، أضف إلى ذلك أيضاً اختلاف وتنوع عوامل الخطر بين الدول، وتباين معدلات الإصابة بين الجماعات العرقية أو الإثنية.