أحزاب الخراب
في الدول الديمقراطية تقوم فيها الحياة السياسية على تدافع الأحزاب لما فيه مصلحة البلاد والعباد. ويقصد بالتدافع مراقبة كل حزب لما يقوم به الآخر، وتنوع الطرح مما يعزز فرص تلك الدول في النهضة والتقدم. إنها منظومة سياسية راقية جداً تصونها دساتير تلك المجتمعات. ففي بريطانيا مثلاً عندما يفوز حزب «العمال» بالحكم تجد أن حزب «المحافظين» يُشكل حكومة ظل لمراقبة أداء كل وزير من الحزب الآخر وتتم محاسبة الوزراء خلال جلسات البرلمان وفق إنتاجيتهم وأدائهم. كما أن الأحزاب الصغيرة غير الحاكمة في المجتمعات الديمقراطية تمثل جماعات ضغط على الحكومة كي تدفعها لاتخاذ خطوات مهمة للمحافظة على المجتمع، ومن الأمثلة على تلك الأحزاب منظمات الحفاظ على البيئة من أجل حماية كوكب الأرض، كلها تنظمات سياسية ومنظمات مجتمع مدني يقوي بعضها الآخر في عملية تدافع سياسي لضمان مجتمع أفضل لشعوبها.
الصورة مقلوبة في المجتمعات العربية التي بها أحزاب سياسية، فجلها تمثل بؤر فساد سياسيا، لأنها تفت في عضد المجتمع وتمزق وحدته الوطنية. وأكبر جريمة ترتكبها تلك الأحزاب أنها تمثل دولاً أجنبية على الأراضي العربية. دعوني أسوِّق لكم مثلاً مما يعرف بـ«حزب الله» اللبناني. لقد مكّن هذا الحزب من أخذ مكان واضح في تشكيل الحكومة اللبنانية عبر خوضه مسرحيات قتالية مع جيش العدو الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، مدعوماً بخبراء إيرانيين، وعملاء خارجين رتبوا له فصول تلك المسرحيات. ولأن العرب عاطفيون في تفكيرهم نجت التمثيليات في جلب تعاطفهم مع كل ما يقوم به حزب الخراب. لو أضفنا لذلك العاطفة الدينية التي تلعب دوراً أساسياً في منهجيتنا العقلية لأدركنا سر تعاطف غير اللبنانيين مع منجزات ذلك الحزب في مستهل الألفية الثانية. وقد بنى ذلك الحزب مستثمراً ولاية الفقيه الإيرانية التي لا تمت بصلة لمذهب أهل البيت، مكاناً له في جل عقول شيعة العرب، وفتح ذلك الحزب - كما بينت التقارير مؤخراً - معسكرات للتدريب في لبنان وخارجه لمن انضم لتحالفه من أنصار ولاية الفقيه الإيراني، فقد ثبت تورطهم في تدريب بعض شيعة الخليج العربي من جل دول مجلس التعاون، إضافة لقيادتهم لمعسكرات «الحوثيين» في اليمن تمهيداً للمعركة الكبرى كما يعرفونها، والتي عشنا بعض فصولها، وما تفجيرات البحرين منا ببعيد.
بعد ما سبق من تمهيد، هل نستطيع أن نصل إلى تقويم فعلي لما يقوم به «حزب الله» من أنشطة في لبنان وخارجها؟ وهل تصب تلك الفعاليات في المصلحة القومية اللبنانية أم أنه على العكس من ذلك.
وبالنسبة للأحزاب في الدول الديمقراطية: هل يقبل أن يكون لديهم حزب ممول من دولة أجنبية يتبنى فكرها ويدافع عن مواقفها السياسية داخل وطنه، أو في المحافل الدولية. لا شك أن مثل هذه الأحزاب تتعارض سياساتها مع دساتير الديمقراطيات، بل تمثل نموذجاً للخيانة الوطنية، من يتنقل في ضواحي لبنان التي لـ«حزب الله» فيها مكان يعتقد أنه يعيش في أراض إيرانية، وذلك من كثرة ما تقع عينه على صور لرموز دينية وسياسية إيرانية، وكيف يرضى لبنان بكل ما فيه من طوائف دينية ووطنية عن حزب يريد أن يسحب لبنان العربي من المنظومة العربية كي يكون ذراعاً للسياسة الإيرانية محارباً في سوريا، معارضاً للإجماع العربي في جل الاجتماعات العربية. إن تجربة لبنان ومعها العراق تعد مدرسة واقعية للباحثين عن أحزاب عربية تهدم، ولا تبني تمزق الوحدة الوطنية من أجل مصالح أجنبية في الأرض العربية.. إنها أحزاب الخراب.