«ألكسندر ياكوفليف.. الرجل الذي أنقذت أفكاره روسيا من الشيوعية»، هو أحدث كتاب للمؤلف والأكاديمي الأميركي ريتشارد بايبس، وقد خصصه لسيرة ياكوفليف، العضو الرفيع في النخبة الحاكمة السوفييتية الذي يُعتبر أحد مهندسي الإصلاحات التي أدخلها ميخائيل غورباتشيف، وفيه يتعقب بايبس، المتخصص في التاريخ الروسي، أبرز المحطات في مسيرة ياكوفليف السياسية وتطوره الأيديولوجي. ولعل أهم دور تاريخي لعبه ياكوفليف هو توفير الدعم الأيديولوجي لسياسات غورباتشوف الإصلاحية المعروفة بالـ«غلاسنوست» (الانفتاح) والـ«بيريسترويكا» (إعادة الهيكلة)، التي أدت في النهاية -وعلى نحو غير مقصود- إلى إضعاف النظام وتسريع تفككه، ومثلما يقول بايبس، فإن ياكوفليف كان «المسؤول الرفيع الوحيد في التاريخ الروسي الذي أيّد القيم السياسية الغربية وطبّق بعضها بنجاح.. وكان الشخصَ الذي شجّع إصلاحات غورباتشوف»، لكن الكتاب يوضح أن غورباتشوف كان يرفض نسبة كل الفضل إلى ياكوفليف، وأن العلاقة بين الرجلين كانت متوترة ومطبوعة بمشاعر متناقضة من الطرفين. لكن أهمية ياكوفليف التاريخية لا تقتصر على مساهماته في تغيير النظام السوفييتي، بل تشمل أيضاً حقيقة أنه أضحى من الرافضين له بكليته، وبدون تحفظ، بما في ذلك أسسه النظرية الماركسية، حيث خلص إلى أن «المجتمع الذي يبنى على العنف والخوف لا يمكن إصلاحه»، وربما الأهم من ذلك أنه، وخلافاً للزعيم السوفييتي نيكيتا خروتشوف، الذي تميزت فترة حكمه بمعاداة الستالينية، لم يحمِّل ستالين مسؤولية كل شرور النظام ومساوئه، ولم يكن يرى فرقاً أخلاقياً كبيراً بين لينين وستالين، كما أنه خلافاً للكثير من الماركسيين الغربيين، لم يكن يعتقد أن الماركسية بريئة وغير مسؤولة كلياً عن عيوب النظام وجرائمه. عوامل عديدة ساهمت في ما يمكن أن نسميه صحوة ياكوفليف السياسة الأخلاقية، ومن ذلك شعوره بالصدمة عندما رأى في 1945 قطاراً في محطة القطارات بموسكو مملوءاً بأسرى حرب سوفييت سابقين ينقلهم إلى أحد معسكرات العمل السوفييتية. فقد كان ستالين يصفهم بالخونة لأنهم سمحوا للألمان بالقبض عليهم وأَسْرهم. أما العامل (الصدمة) الآخر فهو تغير رؤيته للعالم عندما زار براغ عام 1968، حيث هاله التدخل العسكري السوفييتي هناك و«وقف على حقيقة أنهم لا يحبوننا». وثمة فصلان آخران في حياة ياكوفليف ربما تركا تأثيراً بالغاً على نظرته للعالم أيضاً، الأول كان في 1958 عندما قضى عاماً بجامعة كولومبيا الأميركية بفضل منحة من برنامج فولبرايت درس خلالها «الصفقة الجديدة»، وهي البرامج والسياسات التي أدخلها في الثلاثينيات الرئيس الأميركي فرانكلين روزفيلت بهدف تحقيق التعافي الاقتصادي والإصلاح الاجتماعي عقب «الكساد الكبير»، لكن اللافت هو أنه حافظ بعد عودته إلى الاتحاد السوفييتي على ما يسميه بايبس «عداءً مستحكماً للولايات المتحدة». عداء يصعب تفسيره بالنظر إلى التزامه لاحقاً بـ«غربنة» الاتحاد السوفييتي و«دمقرطته» وإيمانه الجديد بأهمية الملكية الخاصة. أما الفصل الآخر، فهو السنوات العشر التي قضاها سفيراً لموسكو في كندا، والتي ربما شكّلت سبباً رئيسياً لتحوله الأيديولوجي والأخلاقي لاحقاً، وهي «تجربة خرج منها مختلفاً»، كما يقول بايبس، ففي 1988، أصبح رئيساً للجنة التي سعت لإعادة الاعتبار لضحايا فترة ستالين، وهو المنصب الذي ظل يشغله 13 عاماً، وقد زادت هذه التجربة من استيائه الكبير من النظام حيث يقول بايبس: «إن سر الحزب الكبير هو كيف تمكن من تحويلنا جميعاً إلى أغبياء ووشاة وأشخاص بلا ضمير ولا شرف.. لقد عرف الحزب كيف يستغل غرائزنا البشرية ونزواتنا.. لكن لماذا تحولنا إلى قطيع؟ ولماذا كنا نتفق مع كل ما كان يقوله الحزب؟ هذا هو اللغز الكبير، سياسياً ونفسياً وأخلاقياً». محمد وقيف الكتاب: ألكسندر ياكوفليف.. الرجل الذي أنقذت أفكاره روسيا من الشيوعية المؤلف: ريتشارد بايبس الناشر: نرذرن إيلينوي يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2015