شهدت معظم دول العالم قبل أيام قليلة نشاطات وفعاليات أقامتها العديد من الجهات والهيئات والمنظمات احتفالاً باليوم العالمي للمرأة، الذي يحل كل عام في الثامن من شهر مارس. ولكون الصحة مكوناً أساسياً من مكونات حياة الأشخاص، إناثاً وذكوراً، وحقاً ثابتاً من حقوق الإنسان، ومطلباً محورياً من مطالب المساواة بين الجنسين، ووسيلة لتحقيق هدف تمكين المرأة، احتلت قضايا وجوانب صحة المرأة، مساحة واسعة من المناقشات التي دارت، ومن الأفكار التي طرحت، لتحسين ورفع مستوى معيشة النساء حول العالم. ويشير مفهوم صحة المرأة، إلى تمتعها بحالة دائمة ومتكاملة من الصحة البدنية، والعقلية، ومن الأمن والسلام الاجتماعي، وليس فقط الخلو من الأمراض أو من الإعاقة. وتتميز صحة المرأة بنوع من الخصوصية، إما بسبب اختلافات تشريحية، كالأعضاء التناسلية الداخلية والخارجية، أو الثديين. وقد تكون هذه الخصوصية ناتجة عن اختلافات هرمونية مقتصرة على المرأة، أو ظاهرة ومؤثرة بشكل أكبر فيها، مثل الطمث، ومنع الحمل، أو الحمل ذاته، ومن بعده الولادة والرضاعة، وسن اليأس، وسرطان الثدي. وتمتد خصوصية المرأة حتى في الأمراض التي تصيب الجنسين، مثل أمراض القلب والشرايين، أو هشاشة العظام، حيث تنتج، وتظهر، وتؤثر، هذه الأمراض بشكل مختلف ومتباين بين الرجل والمرأة. ونتيجة تعدد جوانب مفهوم أو قضايا صحة المرأة، لطالما احتل هذا الموضوع مساحة واسعة من اهتمامات المدافعين عن حقوق المرأة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بموضوع الصحة الإنجابية، بجوانبه الشائكة. كما وضعت العديد من المنظمات الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، قضايا صحة المرأة، في محور اهتمامتها ونشاطاتها، إلى درجة أن المنظمة تعتبر نوع الجنس، ذكراً أو أنثى، من أهم محددات الحالة الصحية التي يتمتع بها الإنسان. حيث تمتد قضايا وجوانب صحة المرأة، لتشمل المواقف الطبية التي تواجه فيها النساء مشاكل وصعوبات، ليس فقط بسبب اختلافاتهن البيولوجية، سواء كانت تشريحية أو هرمونية، بل بسبب جنسهن، مثل مدى توافر خدمات الرعاية الصحية، ومستواها، مقارنة بالرجال. أو بسبب عوامل اقتصادية- اجتماعية، مثل نوعية الغذاء المتاح، والاغتصاب، والعنف المنزلي. وربما كان من أوضح الأمثلة على تأثير هذا العوامل، هو ما يعرف بقضية المئة مليون امرأة المفقودات، وهو عدد الإناث اللواتي يعتقد أنهن قد أُجهضن كأجنة أو تم وأدهن كبنات. ويفسر العلماء هذه الظاهرة بأنها نتيجة أسباب اقتصادية في الغالب، ففي الهند مثلاً، يتخطى المهر الذي يجب أن تدفعه الزوجة عشرة أضعاف متوسط دخل الأسرة السنوي، مما يترتب عليه وقوع الأسر التي تزوج إحدى بناتها تحت نير الديون لأعوام وعقود. والجانب الصحي الآخر من صحة المرأة، والذي يتأثر بالعوامل الاقتصادية- الاجتماعية، هو قضية العنف ضد النساء، الذي يأخذ أشكالاً عدة، منها العنف الجسدي، الذي يتسبب في الإصابة أو الإعاقة البدنية، أو الوفاة. والعنف النفسي، الذي يترك خلفه آثاراً ومضاعفات، تظهر في شكل اضطرابات نفسية مزمنة. والعنف الجنسي، المتمثل في الاعتداء الجنسي والاغتصاب، وبقية أشكال التحرش الجنسي. ويتضح مدى انتشار العنف الجنسي ضد النساء، من الإحصائيات التي تشير إلى أن 5 في المئة من البريطانيات تعرضن للاغتصاب في مرحلة ما من حياتهن، بينما في الولايات المتحدة تتعرض امرأة للاغتصاب أو للاعتداء الجنسي كل دقيقتين، وهو ما يترجم إلى أكثر من 350 ألف حالة اغتصاب سنوياً، تنتج عنها 32 ألف حالة حمل غير مرغوب فيه. وتزداد حالات العنف الجنسي، أو الاغتصاب، ضد النساء بشكل واضح في أوقات الحرب والصراعات المسلحة. فحسب تقرير صدر نهاية عام 2013، عن الشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان، وحمل عنوان «العنف ضد النساء، الجرح النازف في الصراع السوري»، تعرضت 6 آلاف امرأة وفتاة سورية للاغتصاب، منذ تفجر الصراع الداخلي في مارس 2011، مما وصمهن بالعار داخل أسرهن ومجتمعاتهن، ودفعهن للرحيل عن قراهن ومدنهن. ومما لاشك فيه أن رقم الـ6 آلاف الذي ذكره ذلك التقرير قبل أكثر من عامين، قد تضاعف الآن، مع دخول الصراع السوري عامه الخامس، وازدياد شراسته وضراوته. ومثل هذه الأمثلة، إذا ما أضفناها للمشاكل الصحية الخاصة التي تتعرض لها الإناث، بسبب اختلافهن التشريحي، واختلافهن الهرموني، وقيام أجسادهن بوظائف فسيولوجية خاصة وفريدة، مثل الحمل، والولادة، والإرضاع، يظهر لنا بشكل جلي أن صحة المرأة، وقضاياها، لابد أن تتمتع باهتمام، ورعاية خاصين، مع ضرورة توفير الموارد المالية والبشرية التي يمكنها التعامل بالشكل السليم مع تلك الخصوصيات النسائية.