للمرّة الثامنة خلال تاريخها الذي يزيد عن 60 عاماً، قامت الجامعة العربية في ساعة متأخرة من يوم الخميس 10 مارس باختيار أمينها العام الجديد. كان هناك بعض الشد والجذب وحتى بعض التحفظات من بعض الأعضاء الـ22، مثل قطر والسودان والجزائر، كلٌّ لأسبابه الخاصة، وإن صوَّر اعتراضاته على أنها ذات أسباب موضوعية. ورغم أن الجميع، خاصة المرشح ودولته، يفضلان أن تكون الموافقة بالإجماع، فإن التصويت في هذه الحالة -رغم اشتراط الإجماع في حالات أقل أهمية- يتطلب موافقة الثلثين فقط، وهكذا فاز أحمد أبو الغيط، ليخلف نبيل العربي، ويكون ثامن أمين عام لهذه المنظمة. كما في المرات السبع السابقة، لم يكن هناك منافس، وبالتالي يمكن القول إن اختيار الأمين العام هو استفتاء أكثر منه انتخاباً، أو كما يقول الدبلوماسي المصري المخضرم الدكتور مصطفى الفقي: «تحول المنصب إلى جراج يتجه إليه وزير الخارجية المصري السابق عندما تنتهي خدمته». غالبية هؤلاء الأمناء هم من كبار السن؛ فأبو الغيط مولود في عام 1942، وسلفه نبيل العربي مولود عام 1935. لا شك أن العمر خبرة، خاصة عندما يرتبط بتجربة دبلوماسية ثرية، كما هو الحال مع معظم الأمناء الثمانية، فقبل أن يتبوأ نبيل العربي وزارة الخارجية لفترة وجيزة، كان مندوباً لمصر في الأمم المتحدة في نيويورك، وكان أيضاً قاضياً دولياً يشار له بالبنان. وسلفه عمرو موسى، المولود عام 1936، كان هو أيضاً وزير خارجية مصر، وقبل ذلك كان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة. حقيقةً، إن السن خبرة، لكنها أيضاً قد تعني الاحترام المفرط لتقاليد اعتاد الشخص عليها وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من شخصيته، فكل هؤلاء الأمناء يتم اختيارهم بعد أن تخطوا سن المعاش، وهو وضع غريب بعض الشيء في عالم معولم أهم ما يميزه سيطرة الكتلة الشبابية، وتسارع وتيرة التغيير على مستوى العالم أجمع. في هذه الحالة يصبح الالتزام المفرط بالتقاليد ومقاومة التغيير، مرادفاً للجمود. الجمود في عصر العولمة تأخر وتراجع إلى الوراء. الجامعة العربية نفسها تحتاج إلى هزة، وهزة كبيرة، وليس الالتزام بتقاليد وممارسات سبعة عقود مضت، لأن الجامعة أقدم منظمة إقليمية، فإنشاؤها سبق قيام الأمم المتحدة، حيث تم تجهيز وإقرار الميثاق في عام 1944، كما أن عدد أعضائها ازداد من 7 أعضاء مؤسسين إلى 22 عضواً الآن، أي أكثر من ثلاث أضعاف. ومع ذلك، فهيكل المنظمة وحتى طريقة عملها لم يتغيرا كثيراً. لقد توقع الكثيرون بعض التغير عندما اضطرت الجامعة لنقل مقرها من القاهرة إلى تونس، احتجاجاً على مؤتمر كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، ثم معاهدة الصلح بين الجانبين في مارس 1979. ورغم اختيار أمين عام من خارج الإطار المصري المعتاد (التونسي الشاذلي القليبي، المولود عام 1925)، فإن المرء لا يجد أي مؤشر على تغيير هيكلي. هناك بالطبع بعض التغييرات في السلوك، مثل تأييد تدخل حلف «الناتو» في ليبيا عام 2011 ضد نظام القذافي، لكن مثل هذا التغير السلوكي يعكس أوضاعاً ظرفية قد تكون خاصة جداً، ولا تمت بصلة لتخطيط برنامج مدروس للتغيير والمواءمة مع العالم الجديد. ورغم ذلك فمخططات الإصلاح موجودة في الأدراج منذ أكثر من 30 عاماً، وآخرها خطة طموحة في عهد نبيل العربي نفسه. لماذا يتأخر إصلاح الجامعة العربية إذن؟ ألا يعرف القائمون عليها بمصير الديناصور؟