رغم المطالبات العربية والدولية لإيران بإيقاف تدخلها في شؤون دول المنطقة، فإن رد طهران الدائم هو المزيد من التدخل. وقد كتبت صحيفة «الوفاق» الإيرانية تحت عنوان «أوباما وقاسم سليماني»، تقول: «إيران تنشط بشكل كبير وفعال في المنطقة لخدمة أهدافها، وقد أرسلت الجنرال قاسم سليمان قائد فيلق القدس إلى الفلوجة على عجل، حيث أقام هناك غرفة عمليات مع قيادات 17 فيصل من الحشد الشعبي». وحددت الصحيفة تلك الفصائل المشاركة في جرائم ضد السُنة هناك: «لواء أنصار المرجعية، لواء علي الأكبر، فرقة العباس القتالية، فرقة الإمام علي، قوة أبي الأحرار الجهادية، قوات بدر، سرايا عاشوراء، سرايا أنصار العقيدة، كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق، سرايا الجهاد، سرايا الخراساني، فيلق الكرار، لواء المنتظر، لواء مجاهدي الأهوار، كتائب الشهداء، وسرايا السلام». هذا بالإضافة لمستشارين إيرانيين يؤطرون الفصائل المقاتلة. وتكمن خطورة هذا التدخل في أن إيران تعتبره حقاً من حقوقها وجزءاً من سياستها الاستراتيجية في المنطقة، حيث يشرح مستشار قاسم سليماني في الفلوجة، «الجنرال مجدي»، هذه السياسة بقوله: «من أكبر الأخطاء الاستراتيجية محاربة عدوك داخل حدودك الجغرافية. يجب أن ننقل معاركنا إلى الأرض التي يتواجد بها العدو وتدمير قوته كاملة حتى لا تصل التهديدات إلى داخل إيران» («الوفاق»). وقد سمي الجنرال سليماني هذه السياسة في كلمته أمام مجلس الشورى الإيراني بأنها «قوة المنطق الذي يميز السياسة الخارجية الإيرانية»، وطلع علينا رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، هاشمي رافسنجاني قائلا إن هذا التدخل في شؤون المنطقة «هدفه الدفاع عن المصالح القومية الإيرانية»، وتابع: «أن استمرار التدخل الإيراني هناك صعب، لكن أيضاً لا يمكن أن نترك تلك المناطق بسهولة». إن إيران، وبكل وضوح، لا تريد سلاماً ونظامها إنما تأسس على نشر الفوضى، وهي لا تعمل من أجل السلام والاستقرار مهما تحدث قادتها عن ذلك، لأن سياستهم تنطلق من فلسفة «التقية». وهي بكل صراحة دولة ترعى الإرهاب، باعتراف كثير من دول العالم والمنظمات الدولية. وفي حوار للسفير الأميركي السابق في العراق وأفغانستان، زلماي خليل زاده، مع «الشرق الأوسط» (26-5-2016)، أكد ذلك قائلا: «في محادثاتنا مع إيران طرحنا مسألة وجود تنظيم القاعدة» الذي لجأ إلى إيران بعدما غادر أفغانستان، ولم نتوصل معهم إلى اتفاق. أردنا منهم تسليم أعضاء «القاعدة» أو إعادتهم إلى أفغانستان أو إلى الدول التي أتوا منها، ولم يأخذوا بطلبنا. وكما أكد قائد الأسطول الخامس الأميركي، فإن «القاعدة» و«داعش» في اليمن يعملان بتنسيق كامل مع الحوثيين وبمباركة إيرانية. وحسب محمد القباطي، وزير الإعلام اليمني («الشرق الأوسط» 28-5-2016)، فإن الأمر لم يتوقف عند التسليح، بل وصل حد الاستعانة بقوات ومستشارين عسكريين إيرانيين على الأرض، أُلقي القبض على بعضهم في عدة مناطق. ووصل هذا التدخل إلى المفاوضات الجارية في الكويت بين وفدي الحكومة والانقلابيين. يقول القباطي: عندما تصل المفاوضات إلى نقاط نتفق عليها، يبلغوننا بأنهم سيخرجون للتشاور، والحقيقة أنهم يخرجون لإبلاغ مستشارين سياسيين إيرانيين هم مَن يقود المشاورات لتأكيد أن إيران تمسك بالخيوط كلها. وقد لفت المرجع الشيعي اللبناني على الأمين إلى نقطة مهمة، وهي أن «المرجعيات الدينية الشيعية في العراق ولبنان واقعة تحت تأثير الرؤية الإيرانية السياسية وليس رؤية المذهب»، وهذا التجييش الطائفي إنما هو من أجل السلطة والنفوذ.