مع اقتراب موعد الاستفتاء المقرر في بريطانيا على الانسحاب أو البقاء في الاتحاد الأوروبي، يأتي كتاب المؤلفة والبرلمانية الفرنسية سيلفي غولار: «وداعاً أوروبا» الصادر في آخر شهر مايو المنصرم، ليضع رهانات المستقبل الأوروبي كله في سياق قراءة سياسية نقدية تسائل المشروع الاتحادي في منطلقاته وسياساته، وتسعى في الوقت نفسه للإقناع بضرورة إعادة تأسيسه من جديد على أسس أكثر واقعية وعملية وصلابة. وتتساءل الكاتبة ابتداءً عما إن كان استفتاء البريطانيين يوم 23 يونيو الجاري، سيكون في الواقع محدداً لمصير مستقبل بلادهم، أم مستقبل ومصير أوروبا برمتها، مشيرة في هذا الصدد إلى أن مستقبل الاتحاد الأوروبي كله هو الموضوع الآن محل تساؤل، فاحتمال انسحاب المملكة المتحدة منه يعني أنه سيفقد دولة ديمقراطية راسخة بل رائدة، وواحداً من أكبر اقتصاداته وأكثرها حيوية وديناميكية، كما سيفقد أيضاً أكبر مركز مالي عالمي، وقوة جيوبوليتيكية كبرى مؤثرة على المسرح الدولي. والأخطر من هذا كله أن خروج بريطانيا من الاتحاد قد يكون له تأثير مباشر، وفق مبدأ أحجار الدومينو، بحيث يشجع دولاً أخرى عديدة في الاتحاد على تجريب طريق الخروج منه هي أيضاً في المديين القريب والبعيد، على حد سواء. وترى الكاتبة مع ذلك أن الاتفاق الذي توصل إليه القادة الأوروبيون مع الزعيم البريطاني في شهر 19 فبراير الماضي لتحفيز همة الناخبين البريطانيين على التصويت لمصلحة البقاء في الاتحاد، ليس بالضرورة أن يكون كافياً وحده لضمان تحقيق هذه النتيجة المرغوبة. فالقادة الأوروبيون يراهنون على إمكانية تثبيت بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد من خلال إجراء بعض التعديلات على قواعد اللعبة في أسس الشراكة وأصول العمل الأوروبي نفسه، ولكن هذا الرهان ليس بالضرورة أن يكون رابحاً، بل إن الكاتبة تتساءل هنا في نبرة لا تخلو من سخرية، عما إن كانت المملكة المتحدة هي التي يخشى اليوم خروجها أم أن بقية دول الاتحاد الأخرى كانت قد خرجت منه ومن روحه فعلاً لا قولاً، حتى لو لم تصرح بذلك بلسان فصيح. وأكثر من هذا أن أحداً لم يسأل نفسه أصلاً إن كان إبقاء البريطانيين في الاتحاد يمكن أن يتم فقط من خلال الإذعان لطلباتهم. ومن المعروف أن هذه هي الفكرة السائدة في بروكسل، وهذا ما قاد لاعتقاد واسع الانتشار بأنه لا حل سوى رفع الراية البيضاء وقبول إملاءات لندن، والتسليم بطلباتها. ولكن هذا يعني أيضاً قبول التعامل من موقف ضعف مع الشركاء البريطانيين، وما قد يتبع ذلك من ابتزاز سياسي، هذا في حين أن الاتحاد الأوروبي نفسه كمشروع وكفكرة يقوم أصلاً على مبدأ التكافؤ والتعاون البناء والمنصف، وهذا ما ينص عليه منطوق اتفاقاته المؤسسة أصلاً. وفي المجمل، فإن كتاب سيلفي غولار، الواقع في 144 صفحة على عكس ما قد يوحي به عنوانه «وداعاً أوروبا»، لا يدعو أبداً لتفكيك أو تفتيت الاتحاد، ولا للخروج منه، وإنما يدعو لإعادة بنائه من جديد على أسس سياسية واقتصادية أكثر قابلية للاستدامة، وأكثر فاعلية في الأداء، وأيضاً أكثر جاذبية وقدرة على توليد القناعة الذاتية بالاتحاد لدى كافة الدول والشعوب المنخرطة في المشروع الأوروبي دون استثناء. حسن ولد المختار الكتاب: وداعاً أوروبا المؤلفة: سيلفي غولار الناشر: فلاماريون تاريخ النشر: 2016