عندما تنتهي فصول هذه الحملة الانتخابية الأميركية المرتبكة في نوفمبر المثيب، فسوف يجد الرئيس المنتصر نفسه أمام مهمة معقدة تتعلق بمحاولة الحصول على الدعم الشعبي وتأييد الكونجرس من أجل استعادة الدور القيادي لأميركا في العالم. وكانت الحقيقة المسلّم بها ذات مرة تكمن في أن الصدارة العالمية للولايات المتحدة التي كانت تصب في مصلحة بلدنا تتعرض الآن للانتهاك. وتشجع النظرة الضيّقة والمتشائمة للمترشح عن الحزب «الديمقراطي» بيرني ساندرز فيما يتعلق بمستقبل الولايات المتحدة كقوة عظمى، على تبني خطتين كارثيتين هما: السياسة الحمائية، وتكريس العزلة الأميركية عن العالم، وهي النظرة التي يتبناها الجناح اليساري لحزبه «الديمقراطي». وتنطوي الحملة المريبة والمنافية لكل الحقائق القائمة على الأرض لمرشح الحزب «الجمهوري» دونالد ترامب، على خطر يفوق بكثير ما تنطوي عليه سياسة ساندرز من حيث دعوته إلى العزلة المطلقة والشعبوية السياسية وعداء المهاجرين. وهي الأفكار التي يعتنقها الجناح اليميني لحزبه. وأما هيلاري كلينتون، فهي المترشحة الوحيدة التي تمسكت بالشعار الذي رفعه كل الرؤساء الأميركيين الذين تعاقبوا على البيت الأبيض منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويتعلق بتكريس الدور الطليعي والقيادي للولايات المتحدة في العالم. وبعدما يصل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى البيت الأبيض، تحديداً أمس الثلاثاء، ستتسنى لقيادتي الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» فرصة التوصل لاتفاق مشترك بينهما على دعم فكرة إقامة علاقة شراكة استراتيجية طموحة مع الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.25 مليار نسمة. ويمكن القول، إن هذا المشروع الذي حرص ثلاثة رؤساء سابقين على هندسته بكل إتقان، هو الأكثر أهمية في السياسة الخارجية خلال عقود من الزمان. وكان الرئيس بيل كلينتون سباقاً لإذابة الجليد بين البلدين عندما قال إن أهم المصالح العالمية للولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين تكمن بالتحالف مع الهند. واتبع الرئيس بوش الابن سياسة مشابهة عندما دعا إلى التفاوض مع الهند بشأن عقد اتفاقية مشتركة لاستغلال الطاقة النووية للأغراض المدنية، وسعى لإقناع الحزبين الممثلين في الكونجرس إلى رفع العقوبات المفروضة على نيودلهي. وأصبح باراك أوباما أول رئيس للولايات المتحدة يقدم الدعم للهند للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وتعتبر هذه المبادرة التي حازت بكل هذا الاهتمام من الإدارات الأميركية المتعاقبة اختباراً لما يمكن تحقيقه من إنجازات كبرى عندما يعمل الجمهوريون والديمقراطيون معاً على خدمة المصالح الوطنية للولايات المتحدة. وعندما يجتمع مودي بأوباما في المكتب البيضاوي (مكتب الرئيس)، فسوف يكون الرابط الأكثر قوة الذي يجمع بينهما هو الخوف المشترك من الممارسات الاستفزازية المتزايدة للصين في آسيا. وكلا الرئيسين يواجهان هذه المعضلة. وليس أمامهما من خيار آخر غير الدفع باتجاه الاعتراف بالصين كشريك أساسي في التجارة العالمية من أجل تكريس حالة الاستقرار الاقتصادي، ودعوتها للمشاركة بالجهود المتعلقة بالتصدي لظاهرة التغير المناخي وبحيث يتم الاعتراف أيضاً بوزنها السياسي العالمي وبقوة تأثيرها في الشأن الدولي. ويجب أن يعمل البلدان في الوقت ذاته على الوقوف في وجه اتساع النفوذ الصيني وتمدده إلى دول مثل فييتنام والفلبين وعدم الامتثال للمطالب الصينية السيادية على جزر سبراتلي وباراسيل في بحر الصين الجنوبي. وهنا بالضبط يكمن السبب الرئيس الذي دفع أميركا إلى تكريس الشراكة العسكرية الثلاثية المهمة مع الهند واليابان، على اعتبار أن التعاون العسكري بين الديمقراطيات الثلاث في الجو والبحر يمكن أن يساعد على وضع حدّ لطموحات الجيش الصيني، ببسط سلطته على منطقة آسيا- المحيط الهادي خلال القرن الجاري. والآن، ينشغل وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر بوضع الأسس والخطط المتكاملة لتعزيز التعاون العسكري مع الهند. وخلال زيارة قمت بها مؤخراً إلى نيودلهي، شعرت بالصدمة من مدى التغير الذي طرأ على مواقف المسؤولين الهنود الذين كانوا يتجادلون منذ وقت طويل حول أهمية تقوية العلاقات مع الولايات المتحدة. ولاحظت أن هذا الجدل غير مساره وأصبح تمتين العلاقات بين البلدين هدفاً للجميع. والآن، يهتم رئيس الوزراء الهندي بتقوية الروابط الاستراتيجية مع أوباما والرئيس الذي سيخلفه. وأصبح مودي الذي يطلق عليه البعض لقب «رئيس وزراء السياسات الخارجية»، يعمل بعزم وإصرار على تحويل الهند ذاتها من إحدى الدول الطليعية في جنوب آسيا إلى قوة عالمية عظمى لها شأنها. وهذا الهدف بحد ذاته يتطابق مع حسابات الرئيسين أوباما وبوش الابن من أن وجود «الهند القوية» يصب في مصلحة الولايات المتحدة. نيكولاس بيرنز مساعد سابق لوزير الخارجية الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»