هل «ريتاج» رواية سياسية؟ لا أعتقد، فتصنيفات الرواية السياسية العربية، لا تنطبق عليها ولا تتفق، كما سنرى. إنها المرة الأولى التي تتحول فيها رواية إماراتية، هي «ريتاج» لمؤلفها د. حمد الحمادي، إلى مسلسل تلفزيوني تعرضه حالياً قناة أبوظبي. والرواية/ المسلسل تحظى اليوم بنسبة مشاهدة عالية وغير مسبوقة، دلت على ذلك مؤشرات عدة، من بين الأهم، شبكة التواصل الاجتماعي، وتحديداً «تويتر» و«فيسبوك». رواية «ريتاج» التي صار عنوانها التلفزيوني «خيانة وطن»، ليست الأولى - على حد علمي - التي يجرى تحويلها إلى عمل مُتلفز، إذ شهدت سبيعينيات القرن الماضي، محاولة شبيهة، في أبوظبي، لكنها لم ترَ النور، لأسباب خاصة كما قيل حينها. تلك المحاولة كانت تحويل رواية «شاهندة» لمؤلفها راشد عبدالله النعيمي، إلى مسلسل تلفزيوني يحكي أيام «الغوص الأوَّل». تبقى شاهندة الرواية الأولى تاريخياً في الإمارات، كما تبقى مجموعة «الخشبة» القصصية، لمؤلفها عبدالله صقر، الأولى تاريخياً في مجالها. في منطقة الجزيرة والخليج العربية، هنالك أعمال أدبية عدة، تحولت إلى مسلسلات متلفزة، وحتى إلى أفلام قصيرة، من بينها رواية «ساق البامبو» للكويتي السنعوسي، وفيلم «بس يا بحر»، الذي كان في الأصل عملاً أدبياً. كنتُ تناولتُ، رواية «ريتاج» لصديقنا د. الحمادي، على نحو انطباعي، في أحد أعداد «الاتحاد الثقافي»، وأذكر أنني ألمحت في مقالي ذاك، إلى أن العمل يحمل مؤهلات ترشحه لعمل سينمائي، ولم أقل تلفزيوني، اعتمدت في ذلك، على لغة الكاتب الدقيقة، وأسلوب القطع لديه، والانتقال فيما بين المشاهد واللقطات، كل ذلك استخدمه لبسط الفكرة. اليوم أشعر بنوع من الفرح، وأنا أرى ما اعتبرته في وقت من الأوقات، تنبؤاً لا يخلو من مغامرة، يتحقق على الشاشة الفضية، ويشدني إليه، يمتعني، خصوصاً أن «ريتاج» الرواية، ما زالت «طازجة» لدي في الذاكرة. هل رواية «ريتاج» في الأصل رواية سياسية؟ لا أعتقد، فتصنيفات الرواية السياسية العربية، كما أسلفت، لا تنطبق عليها ولا تتفق، خصوصاً أن مجمل الروايات السياسية العربية، أو التي صنفت على أنها سياسية، اختارت الكتابة في مساحة تاريخية معينة، مساحة تبدأ بفترة الاستعمار السياسي، وتنتهي، كما يفترض، بفترة الاستقلال الوطني، أو القومي، لكنها لم تنتهِ كذلك. بعد استقلال الدول العربية عن الاستعمار، بأشكاله على الأرض، اختلف العرب فيما بينهم، على سؤال الديموقراطية، الذي تمثل في: أيهما أصلح للوطن، أنا أم أنت؟ وأيهما أفيد للوطن، الجمهورية أم الملكية؟ وتحولت خلافاتهم واختلافاتهم، التي كان من الممكن أن تكون سلمية وصحية إلى اقتتال وتناحر، أعمى فيها الدم البصائر، وما زالت إلى يومنا هذا، ونحن ندخل العقد الثاني من القرن الـ21، ولا أمل يلوح في الأفق. رواية «ريتاج» هي قصة حب، ومعلوم أن المُحب الجيد هو مناضل جيد، فكلما عرفت كيف تحب، عرفت كيف تكون قيمة الوطن، ليس بصفته مجموعة ذكريات، بل بصفته مشروع كرامة وشرف. إن الرسائل التي يفترض أن يصدّرها المسلسل، وصلت بوضوح إلى الناس، كل الناس، في الإمارات وخارجها، وهي تصب ليس فقط في مصلحة المؤسسة التي اختارت، وأجازت العمل ونفذت، بل ستصب في مصلحة الوطن. ولعلها المرة الأولى التي ترتفع فيها المباشرة إلى مستوى من الشفافية، تجعلك تتنبأ فيما يشبه اليقين، أن بنياناً يتأسس على الصدق والصراحة والمباشرة والشفافية، والقوة، لن يكون بنياناً عادياً، سترى الجبال نفسها فيه، صلابة وشمماً.