الجمهوريون».. دروس «التمهيدية»
«الجمهوريون» الذين أدركوا منذ فترة طويلة، أن دونالد ترامب قوة شريرة، ستؤدي حتماً لتشويه مبادئ حزبهم، وتحقق فشلاً ذريعاً في الانتخابات العامة، قد يميلون للإشاحة بوجوههم بعيداً عن مشهد 2016 الكارثي. ولكن ذلك سيكون خطأً، لأن هناك دروساً يجب تعلمها من خلال الانتخابات التمهيدية والعامة. وعلى الرغم من أن تلك الدروس مؤلمة، إلا أن «الجمهوريين» يجب أن يحيطوا بها علماً، سواء من أجل الحملات الانتخابية القادمة، أومن أجل مستقبل حزبهم اليميني الوسطي.
أول تلك الدروس وأهمها على الإطلاق، هي أن «الجمهوريين» الذين يفتقرون إلى رسالة إيجابية، يؤدون عادة أداءً سيئاً أمام الديماغوجيين و«الديمقراطيين» المتأرجحين. ففي الانتخابات التمهيدية للحزب «الجمهوري»، على سبيل المثال، تعرض السيناتور تيد كروز(تكساس) للتطويق من قبل مترشح آخر أكثر شعبوية، وعداءً للمؤسسة منه. يوضح «جون هارت» العضو «الجمهوري» المخضرم ذلك بقوله: «إن الشيء المأساوي بالنسبة لكروز، هو أنه بدأ عضويته في مجلس الشيوخ برسالة محافظة أصيلة وجذابة، وصفها بأنها إطار متين لشرح السياسات الجمهورية التي يمكن لها النجاح، ولكنه تحول بمرور الوقت إلى رجل يمارس نوعاً من الطهارة الايديولجية التي تهتم بالقول أكثر مما تهتم بالفعل». ويضيف هارت: «ثم جاء التهجم السلبي على حزبه الجمهوري، من خلال وصفه بأنه عبارة عن (مجمع استسلام) ليظهره بمظهر السياسي الذي لا يمتلك رسالة إيجابية قوية في الانتخابات التمهيدية، ما أدى إلى حرمانه من تأييد الكثير من الحلفاء». ثاني هذه الدروس: أن السجالات الصاخبة حول القضايا الاجتماعية التي عفا عليها الزمن قد تساعد مرشحاً «جمهورياً» على الفوز بانتخابات ولاية «أيوا»، ولكنها لا تكفي للفوز بترشيح الحزب، أو لخوض المنافسة في الانتخابات العامة- أنظروا كيف تحول الناخبون الجمهوريون للدفاع عن مجتمع المثليين في أعقاب مذبحة أورلاندو. وفي رأيي أن اتباع مقاربة أكثر إيجابية لـ«القضايا الاجتماعية»، هي التي ستؤدي إلى زيادة جاذبية تلك القضايا بالنسبة للناخبين المتدينين.
ثالثها: ترامب سيقود، في نهاية المطاف، لتفجير فقاعة هؤلاء «الجمهوريين»، الذين ما زالوا يصرون على أن كل ما يحتاجه الحزب «الجمهوري»، هو نسبة مشاركة كبيرة من جانب الأميركيين البيض. يرجع ذلك لأسباب أهمها، أنه لم يعد هناك ما يكفي من أمثال هؤلاء الناخبين بسبب التحولات الديموغرافية في المجتمع الأميركي. وهناك سبب آخر وهو أنك عندما تغازل البيض من خلال خطاب هيستيري، كاره للأجانب، فإنك قد تقصى بعض المجموعات المؤيدة للبيض بعيداً وهكذا فإنك تنتهي بجزء أصغر من الكعكة مع كل انتخاب من الانتخابات المتعاقبة.
رابعها: إن الخطر المتمثل في شيطنة الحكومة برمتها، يكمن في أن هذه الشيطنة تُمّكن الغوغائيين وأصحاب الأصوات الزاعقة، وتصرف الاهتمام عن دعم المشاريع الحكومية، التي يفضلها «الجمهوريون». فإذا ما كان الجميع «أغبياء» أو «مدلسين».. فما الفائدة إذن من وضع أجندة إصلاح جادة. ففي نهاية المطاف، لا يحقق جَلد الحكومة شيئاً، لهؤلاء الذين يطلبون من الجمهور أن يثق بقدرتهم على جعل الحكومة تعمل على نحو أفضل. خامسها: لقد اتضح أن المرشح، يجب أن يعرف ما هي الصفات التي تجعل منه رئيساً. فترامب مثلاً، يتبجح بأن قاعدته لا تحتاج لمزيد من التعريف. حسناً، ولكننا رأينا أن قاعدته الأساسية (البيض من ذوي الدخل الأقل والأقل تعليماً)، ليست كافية للفوز في الانتخابات. وأن الناخبين الآخرين كافة، يهتمون بالمقترحات الجادة التي يقدمها المرشح، وأنه عندما تحدث انتكاسة حقيقية، فإن الناخبين ومهما بلغ بهم الغضب جراء ذلك يريدون أن يكون مرشحهم شخصاً، يعرفون هم جيداً أنه يعرف ما يتحدث عنه. أما العدمية فلا تقدم سوى رسالة بالغة الرداءة في جميع الأحوال.
سادسها: أما القيام وبكل بساطة، بتجاهل المنافذ الإعلامية، التي يحصل منها معظم الناخبين على الأخبار، فيمثل خطأ جسيماً. والشخص الخبير بالإعلام وكيفية التعامل معه، يجب أن يكون لديه بعض الدينامكية، والقدرة على لفت الانتباه، ولكن إذا سار جميع «الجمهوريين»، في الطريق نفسه، الذي سار فيه ترامب، (طريق لفت الأنظار من خلال الثرثرة الفاضحة والتحيزات الفجة)، فعليهم أن يتوقعوا رؤية كابوس انتخابي تتكشف تفاصيله تدريجياً، تتحول فيه كل مقابلة مع وسائل الإعلام إلى كارثة سياسية.
وربما يكون الدرس الختامي مع ذلك هو الحاجة لحزب ولقيادة حزبية، يختلفان اختلافاً جذرياً عما هو قائم حالياً: حزب وقيادة يهتمان بحماية المثل والنزاهة الفكرية للحزب وللحركة «الجمهورية» بشكل عام.
جنيفر روبين*
*محللة سياسية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»