الموصل: آخر جدران الحياء العراقي؟
يمر العراق بحالة فوضى سياسية عارمة ومفزعة، فرغم تزايد الجدل حول مشاركة «الحشد الشعبي» في معارك تحرير المدن العراقية الواقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش»، وبعد معركة تحرير الفلوجة، قرر رئيس الحكومة حيدر العبادي ضم مليشيات «الحشد الشعبي» الطائفية المتهمة بارتكاب جرائم طائفية من قتل وتعذيب وخطف وتهجير ضد المدنيين السنة، والمكونة من 150 ألف مقاتل و42 مليشيا، وتأتمر بإمرة قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، رسمياً إلى الجيش العراقي! ولعل المضحك المبكي تصريح أبو آلاء الولائي، الأمين العام لـ«كتائب سيد الشهداء»، إحدى أهم فصائل «الحشد الشعبي» بأن «الكتائب تشكيل عقائدي مرتبط بولاية الفقيه ولا يرتبط بمزاج وأهواء السياسيين في العراق»! على رغم أن مليشيات «الحشد الشعبي» قد تشكلت إثر فتوى المرجع العراقي السيستاني في العاشر من يونيو 2014 بالجهاد الكفائي ضد «داعش»، فإن غالبية المليشيات المكونة لـ«الحشد» في الواقع تتبع مرجعية «الخامنئي» لا السيستاني. وكان مسؤولون في طهران قد صرحوا بوجود خطة لتشكيل «حرس ثوري عراقي» على غرار «الحرس الثوري الإيراني» التابع لخامنئي.
سقطت مدينة الموصل في يونيو 2014 في يد مقاتلي تنظيم «داعش» بعد أن هرب، وبشكل مخزٍ، قادة الجيش العراقي والشرطة العسكرية المحلية وقوات الأمن الذين خلعوا ملابسهم الرسمية ووضعوا أسلحتهم وفروا من المدينة متظاهرين بأنهم من المدنيين. وبدأت القوات العراقية عمليات لاستعادة السيطرة على المناطق المحيطة بمدينة الموصل، وكانت منظمة مراقبة حقوق الإنسان قد نشرت تقريراً يوثق انتهاكات مليشيات «الحشد الشعبي» من عمليات الإعدام السريع بلا محاكمة وحالات الإخفاء القسري والتعذيب وتدمير المنازل خلال عمليات استعادة الأراضي من تنظيم «داعش» في الفلوجة. وهي انتهاكات قد ترقى إلى «جرائم حرب»، كما نددت المنظمة بغياب العقاب على جرائم القتل والتعذيب التي ارتكبتها هذه المليشيات ضد المدنيين. وطالبت العراق بمنع مليشيات «الحشد الشعبي» من المشاركة في عملية الموصل. وعلى رغم المطالبات الحقوقية والسياسية بعدم إشراك «الحشد» الطائفي في العمليات لاستعادة الأراضي التي يحتلها تنظيم «داعش»، قال هادي العامري زعيم «فيلق بدر»، أحد فصائل «الحشد»، إن «الحشد الشعبي سيشارك في معركة تحرير الموصل، رغم أنف السياسيّين المعارضين لذلك».
وتتوالى المهازل العراقية، إذ أعلن المتحدث باسم فصائل «الحشد الشعبي»، أحمد الأسدي، أن سليماني سيقود الحملة المرتقبة ضد «داعش» في الموصل. وقال الأسدي: إن «سليماني ليس مستشاراً عسكرياً للحشد الشعبي فقط، بل للجيش والشرطة الاتحادية، وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي»!
وتساهم طبول الحرب التي تقرعها حكومة العبادي للاستعداد لمعركة الموصل في القفز على المشاكل السياسية والخلافات الشيعية- الشيعية التي تفجرت في البيت الشيعي بمظاهرات جماهيرية واقتحام للمنطقة الخضراء في بغداد وتظاهرات في محافظات الفرات الأوسط والجنوب، حيث وضعت العبادي على حافة الخروج من منصبه، وبالتالي ستسهم الاستعدادات لمعركة الموصل ونجاحات الحكومة في استعادة الفلوجة في تعزيز مكانة العبادي ولو مؤقتاً على الساحة السياسية العراقية، وصولًا لاستنساخ التجربة الإيرانية بتحويل «الحشد الشعبي» إلى «حرس ثوري شيعي» للحكومة العراقية لتعزيز الطائفية التي لم تعد تنكرها التصريحات الرسمية العراقية، في إطار الاستعداد المسبق لمرحلة ما بعد «داعش».
وستشكل استعادة الموصل نقطة محورية في تشكيل المستقبل السياسي للعراق كدولة عربية مستقلة، بمشاركة «الحشد الشعبي» صاحب الانتهاكات المخزية ضد السنة العراقيين، وبقيادة الإرهابي قاسم سليماني، فهل سنظل نتحدث من بعدها عن حكومة عراقية عربية؟ وهل سقط آخر جدران الحياء في العراق؟
----------------
كاتبة إماراتية