لولا تواطؤ الإنجليز مع الشاه رضا بهلوي في عشرينيات القرن المنصرم لكانت هناك اليوم على الضفة الشرقية للخليج العربي إمارة عربية مستقلة يقودها بنوكعب، ولكان مجلس التعاون الخليجي مكوناً اليوم من 7 كيانات بدلاً من 6. كانوا يدرسوننا قديماً في مادة الجغرافيا معلومات مستفيضة عن كل دولة عربية مستقلة على حدة. كما كانوا يذكروننا دائماً أن هناك أراضي عربية سليبة ستتحرر يوماً ما. ولئن كانت الأراضي الفلسطينية تأتي دوماً في المقدمة، فإن أراضي العرب السليبة في عربستان ولواء الإسكندرون وجيب سبتة ومليلة كانت تحظى بالاهتمام أيضاً. اليوم أكاد أشك أن مناهجنا المدرسية تعلم طلبتنا شيئاً من ذلك، فباتوا مغيبين عنه، ربما باستثناء القضية الفلسطينية. غير أن اللافت هو أن قضية عربستان أو الأحواز ظلت طوال هذه السنوات، حاضرة على الأقل، في وجدان شعبها العربي المتطلع لاستعادة استقلاله، بدليل أنه لا تلوح أمامه فرصة إلا ويستغلها للإعراب عن ذلك. ولعل خير شاهد هو المظاهرات الشعبية التي اجتاحت مؤخراً مدن الإقليم المغتصب، تنديداً بما تقوم به طهران من مجازر في سوريا والعراق، وتأييداً لجهود التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن. حيث نقلت وسائل الإعلام المرئية مشاهد للجماهير الأحوازية، وهي ترتدي الزي العربي، وتهتف بالعربية هتافات منددة بالسياسات الإيرانية الطائفية، علما بأن نسبة معتبرة من شعب الأحواز هم من معتنقي المذهب الشيعي، خلافاً لما يردده بعض الجهلة من أن كل الأحوازيين هم من العرب السُنة. وللذين يجهلون قضية الأحواز العربية، أو لا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن تاريخها نستعرض فيما يلي شيئاً من هذا التاريخ دون الدخول في التفاصيل: •هاجرت قبيلة بني كعب إلى الإقليم من وسط العراق في منتصف القرن 17 واستوطن قسم منهم الجزء الجنوبي الغربي من نهر القارون، فيما انتشر الباقون على ضفتي شط العرب. • بنى الكعبيون مدينة القبان كعاصمة لإماراتهم، وكان أول أمرائهم هو الشيخ سلمان بن سلطان من فخذ البوناصر. وقد استفاد الأخير من الفوضى التي كانت سائدة في إيران في أعقاب وفاة حاكمها نادر شاه فوطد دعائم إمارته ووسع نفوذها بتغلبه على قبائل الأفشار الفارسية واحتلاله لعاصمتهم «الدورق» التي غير اسمها إلى «الفلاحية» واتخذها عاصمة ثانية له. كما استطاع بفضل دهائه وخططه وقوته البحرية من كسر شوكة كل القوى المتصارعة على النفوذ في المنطقة آنذاك من فرس وأتراك وإنجليز. •بعد وفاة الشيخ سلمان البوناصر دبت الخلافات بين فخذي قبيلة بني كعب، حيث ظل فخذ البوناصر في الفلاحية بقيادة خلفاء الشيخ سلمان، وراح نفوذهم يتقلص تدريجياً، بينما تمركز الفخذ الآخر (البوكاسب) حول مصب نهر القارون بقيادة الشيخ مرادو بن علي البوكاسب الذي يُعتبر المؤسس الأول للإمارة العربية الكعبية. وحينما توفي الأخير خلفه ابنه الشيخ يوسف الذي أسس مدينة المحمرة (أطلق عليها الفرس اسم خرمشهر) في 1812 واتخذها عاصمة له. وفي عهده ازدهرت المحمرة اقتصادياً وتجارياً، وصارت من الموانئ الخليجية المهمة. انتقل الشيخ يوسف إلى رحمة الله سنة 1829 فخلفه أخوه الشيخ جابر الذي دام حكمه حتى 1881، والذي عُرف عنه جرأته، وقدرته على فرض هيبته واحترامه في الداخل والخارج. •من بعد وفاة جابر بن مرادو، تولى حكم الإمارة ابنه مزعل الذي ارتبط عهده بتطورات مهمة أهمها سعي بريطانيا للتغلغل في الإمارة، أملاً في السيطرة على مواردها النفطية والمعدنية، بدليل أنها أسست قنصلية لها في المحمرة سنة 1890. ومما يُذكر للشيخ مزعل أنه استطاع، رغم كل القلاقل آنذاك، أنْ يوطد سلطته الداخلية، وأنْ يؤسس علاقات متينة مع آل صباح شيوخ الكويت وآل سعدون شيوخ عرب المنتفق. غير أن علاقاته مع الإنجليز لم تكن ودية، فتخلصوا منه غيلة سنة 1897، ليتولى الإمارة من بعده أخوه الشيخ خزعل. •يُعتبر الشيخ خزعل، من أهم حكام الإمارة، وأكثرهم ذكراً في مراسلات المعتمدين البريطانيين الذين عملوا في إيران والعراق وإمارات الخليج. ذلك أن عهده كان عهد التحولات الكبرى في المنطقة، ففيه اكتشف النفط في عبادان وغيرها، وقامت الحرب العالمية الأولى، وتبدلت خرائط وحدود العديد من كيانات المنطقة، وقامت الدولة البهلوية على أنقاض الدولة القاجارية في إيران. لكنه استطاع وسط كل هذه الأحداث الجسام أنْ يحتفظ باستقلاليته، وذلك باعتراف الشاه رضا بهلوي في مذكراته. كما استطاع بناء علاقات ودية مع حكام الكويت والعراق ونجد وغيرها، فصار شخصية مرموقة، ناهيك عن أن الإنجليز سعوا إلى كسب وده حينما قرروا بناء مصاف للنفط في عبادان، ففاوضوه من خلال الحاكم السياسي البريطاني العام في العراق «بيرسي كوكس». والمعروف أن الشيخ خزعل طرح اسمه لتولي عرش العراق، لكنه تراجع عندما رأى أن الأمور تتجه لمصلحة الشريف فيصل بن الحسين. بعد أن وطد الشاه رضا بهلوي سلطته في إيران توجه بقواته نحو عربستان، وتمكن من احتلال مدنها وقراها تباعا، وعيّن جنراله فضل الله خان زاهدي حاكماً عليها، وغير اسمها إلى خوزستان (بلاد القلاع والحصون). أما الإنجليز فقد تخلوا عن كل تعهداتهم السابقة للشيخ خزعل بحماية إماراته بعدما رأوا ما حققه الإيرانيون من انتصارات. وقد ظهر المكر والغدر الإيراني في أوضح تجلياته حينما راح الجنرال زاهدي يعامل الشيخ خزعل معاملة كريمة لكسب ثقته، ثم ما لبث أن اعتقله مع ابنه عبدالحميد في أبريل 1925 خلال حفلة أقامها على ظهر يخت بريطاني في مياه شط العرب، ثم ساقهما إلى طهران في نفس الليلة، حيث سُجن الشيخ هناك حتى تاريخ وفاته في 1936.