الإلحاد وحقيقة الإسلام
كما تشير بعض الجهات الرسمية الدينية في البلاد العربية، فإن هناك تزايداً مقلقاً في معدلات «النزعة الإلحادية»، وذلك نتيجة لتلوث العقل بسموم الأهواء الشخصية والجهل بالدين والخلل الذي أصاب التفكير وأعماه عن نور الحقيقة، بعد ما انغمس في مذاهب الفلسفات المادية التي تفسر الكون بطريقة زائفة.
ورغم ذلك، فقد ختمت هذه الفلسفات على عقول الكثيرين في المجتمعات العربية والإسلامية، غير بعيد عن تأثيرات النزعة السياسية الاستعمارية التي تشهدها المنطقة العربية، والتي تهدف إلى بث النفوذ السياسي لإفساد صورة الدين الإسلامي وطمس معالمه وهوية أبنائه وتشويه محاسنه وتحريف حقائقه.. بإثارة الشبهات حول الإسلام ورسوله عليه الصلاة والسلام والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، لتقديمه للعالم على أنه دين الخرافة والإرهاب! مع أن كل الأدلة العقلية والعلمية والفلسفية والمعرفية، تدل دلالة واضحة على صحة التصور الإسلامي حول الخلق الإلهي وطبيعة الكون ومنشأه ومساره ومصيره.. مما أيده عمالقة العقول العلمية والفلسفية، من مفكري وفلاسفة أوروبا الحديثة، مثل ديكارت وكانط ولوك وروسو.
لقد مثّل الإسلام نقطة التحول الكبيرة في ميزان الرؤى والتفسيرات الكونية، وذلك في تأكيده على مبدأ الخلق الإلهي، وفي رسمه الطريق الموصل للتعرف على وجود الله جل جلاله.
والذين درسوا الإسلام من غير المسلمين، بصورة منهجية وعلمية محايدة، توصلوا إلى هذه الحقيقة. فمثلاً الروائي الروسي تولستوي هو ممن قالوا بهذه الحقيقة، وكذلك عالم الرياضيات جيفري لافينج الذي قال: أشعر بأن الإسلام هو الملاذ الآمن لكل البشرية، والمفكر الفرنسي «اينان دينيه» الذي أوضح في كتابه «محمد رسول الله»، كيف أكد الإسلام أنه دين الحق والفطرة والعقل والعلم والتقدم، وكذلك عميدة الاستشراق الألمانية «أنا ماري شميل»، والتي قالت في كتبها «إن الحضارة التي رسم معالمها نبي الهدى والسلام لهي جديرة بانتشال العالم من وطأة الصراع السياسي والأيديولوجيات التي تستغل الإنسان أسوأ استغلال، وقيادته إلى بر الأمان».
إن هؤلاء وغيرهم ممن قرؤوا عن الإسلام من داخله، عرفوا الطريق المؤدي إلى معرفة الله سبحانه وتعالى، كما عرفوا حقيقة الدين الإسلامي بعقولهم وفطرتهم بعد أن أمعنوا النظر وأعملوا التفكير في هذا الكون وفي آياته، ودرسوا الإسلام دراسة وافية، فاكتشفوا بشكل واضح لا لبس فيه أن من أسخف النظريات التي يقول بها الملحدون ومعتنقو الفلسفات المادية، تلك النظرية المكابرة والمعاندة في نفي وجود رب خالق لهذا الكون ومدبر لشؤونه.
وينقل الدكتور محمد راتب النابلسي في موسوعته «أسماء الله الحسنى الجزء الأول، عن أستاذه في الجامعة، والذي كان يدرسه علم النفس، أنه حضر مؤتمراً لأمراض النفس في أوروبا، وأنه قال للأوروبيين إن النسب المئوية للأمراض النفسية في بلادنا قليلة جداً، وسبب ذلك أننا نؤمن بالله سبحانه وتعالى ونرضى بقضائه وقدره، وأن المؤمن يسلم قيادة نفسه وزمام أمره لله ربه سبحانه وتعالى، ويقول: هكذا يريد الله، وهذه مشيئته سبحانه وتعالى، ما شاء الله يكون وما لم يشأ لا يمكن أن يكون بحال من الأحوال.