عيد آخر يهل علينا وخريطة المنطقة تعج بأزمات دخلت مرحلة الركود، مع استمرار المراوحة بين تفاهمات دولية جزئية لا تبشر بحلول جذرية، وبين واقع ملغوم يكرس في وعي الشعوب المتضررة الاعتياد على استهلاك الزمن كما هو، بكل ما يعتريه من رعب ودمار ولجوء، ومن دون أن تلوح في الأفق ملامح أمل بانتهاء موجات الحروب والفوضى. بالنسبة للقضية الفلسطينية، الوضع باقٍ على حاله كما هو، في ظل الانقسام الذي تعمق واتخذ طابع الاستقرار المشوه، بين سلطة «حماس» في غزة، وبين السلطة الفلسطينية في رام الله. ووجدت «حماس» في الانقسام فرصتها لإشباع رغبة الحركة المحمومة في الحكم، وساعدها تلقي الأموال من الأطراف المؤيدة لها على حساب وحدة الموقف الفلسطيني، بينما راق الوضع لإسرائيل وتكيفت معه ما دام في صالحها. في حين تصدرت الأزمة السورية قائمة الأزمات، وبخاصة بعد لجوء مئات الآلاف من السوريين إلى أوروبا. وكان العيد سيكتسب لوناً آخر في عيون أطفال سوريا لو أن الوضع في الشام تزحزح قليلاً، من أجواء القتل اليومي والبراميل المتفجرة والجماعات المتنافسة على إحداث المزيد من الخراب، إلى وضع أكثر أماناً لا يكون من بين شروط تحققه الاستسلام لخيار اللجوء القسري وامتطاء قوارب الموت، أو الانتظار في مخيمات مجهولة على الحدود بين سوريا وتركيا. التعقيد في الأزمة السورية أصبح ملفاً دولياً تتقاذفه بلامبالاة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، وبين كل اجتماع وآخر لوزيري خارجية البلدين، تكشف التحليلات الإعلامية عن بروز المزيد من التعقيدات وانسداد التفاهمات. ولأن الملف السوري بين يدي لافروف وكيري ليس الوحيد المهيمن على جدول أعمالهما، لا يتحرجان من وضعه على الرف، بينما كل دقيقة تمضي من دون حل تعني سقوط ضحايا جدد وانهيار منازل وأحياء في حلب وريف دمشق، وزحف مجموعات إضافية من اللاجئين هرباً من جحيم الحرب! لم يقل أحد إن التعويل على اتفاق روسي أميركي حول مستقبل سوريا هو المنفذ الوحيد لخلاص السوريين من محنتهم، لأن تدويل الصراعات يجعلها محط مراهنات ومقايضة مصالح بأخرى، على حساب البعد الإنساني لها. لكن طول أمد الأزمة السورية واستفحال تبعاتها يجعل من انتظار الحل، ولو على أيدي الروس والأميركان، مشروعاً. هكذا هي السياسة الدولية، توازنات ومصالح، ورؤوس كبيرة تهيمن على مجلس الأمن الدولي، وتشرعن للمراهنة على ما يجري من حوارات في الكواليس بين النافذين. على الضفة الأخرى من الخريطة وأزماتها المشتعلة، لا يزال الصراع في ليبيا محتدماً هو الآخر، والصور التليفزيونية القادمة من ليبيا لا تتحدث عن حوارات أو عن حكومة واحدة متفق عليها، بل تنقل مشاهد حرب شوارع. ويقال إن السبب الرئيس لبقاء الصراع في ليبيا مشتعلاً، هو طمع الكثير من الأطراف الدولية في الحصول على نصيب الأسد من الأموال الليبية المجمدة، نظير عمليات الأعمار بعد انتهاء الحرب. لذلك يبدو أن الجميع متفقون على إحداث المزيد من الدمار في المدن الليبية، لكي تجد شركاتهم ما تقوم بإعادة إعماره. يضاف إلى ذلك أن الأزمة في ليبيا لها اتصال بتركة القذافي، وما خلفه من انعدام الجاهزية لقيام دولة مؤسسات من بعده. فقد كانت لجانه الشعبية تحكم ليبيا بطريقة بدائية. الأمر الذي أدى إلى صعوبة بناء هياكل الدولة من الصفر. أما اليمن والعراق فيشتركان في استدعاء النموذج الإيراني الطائفي. ولم يجد الوفد الحوثي أي نظام يقبل باستضافته واستقباله رسمياً سوى النظام العراقي، فذهب الحوثيون إلى بغداد مؤخراً، وحرصوا على عدم ارتداء ربطات العنق، في رسالة مباشرة إلى أنهم يقتدون بملالي طهران. استأثر الحوثيون بالأموال التي أودعتها دول الخليج في البنك المركزي اليمني لدعم اقتصاد اليمن الفقير، واستخدموها لشراء أسلحة وتجنيد مغرر بهم. يبقى الأمل في أن تحل الأعياد القادمة، وقد انتهى جنون الأزمات والحروب، وكل عام وأنتم بخير. ------------------- *كاتب إماراتي